تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٥٤
شيئا وأن له عليه الصلاة والسلام عاقبة محمودة وأنه سبحانه سينصره عليهم، وفي ذلك من تسفيه رأيهم في الإصرار على الكفر واستنهاضهم إلى اتباعه ما فيه إلا أنه عز شأنه أمره أولا أن يقول: * (هو ربي) * توطئة لذلك وجيء بلا إله إلا هو اعتراضا للتأكيد، والذي يميل إليه الطبع بعد التأمل وملاحظة الأسلوب القول بالاعتراض، ثم لا يخفى أن حمل * (وإليه متاب) * على إليه رجوعي في سائر أموري خلاف الظاهر وأنه على ذلك يكون كالتأكيد لما قبله، وقال شيخ الإسلام في تفسيره: أي إليه توبتي كقوله تعالى: * (واستغفر لذنبك) * (غافر: 55) أمر عليه الصلاة والسلام بذلك إبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله تعالى وأنها صفة الأنبياء وبعثا للكفرة على الرجوع عما هم عليه بأبلغ وجه وألطفه، فإنه عليه الصلاة والسلام حيث أمر بها وهو منزه عن شائبة اقتراف ما يوجبها من الذنب وإن قل فتوبتهم وهم عاكفون على أنواع الكفر والمعاصي مما لا بد منه أصلا اه‍. وفيه أن هذا إنما يصلح باعثا للإقلاع عن الذنب على أبلغ وجهه وألطفه لو كان الكلام مع غير الكفرة الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولعل ذلك ظاهر عند المنصف، وقال العلامة البيضاوي، في ذلك: أي إليه مرجعي ومرجعكم وكأنه أراد أيضا فيرحمني وينتقم منكم، والانتقام من الرحمن أشد كما قيل: أعوذ بالله تعالى من غضب الحليم.
وتعقب بأنه إنما يتم لو كان المضاف إليه المحذوف ضمير المتكلم ومعه غيره أي متابنا إذ يكون حينئذ مرجعي ومرجعكم تفصيلا لذلك ولا يكاد يقول به أحد مع قوله بكسر الباء فإنه يقتضي أن يكون المحذوف الياء على أن ذلك الضمير لا يناسب ما قبله، ولعل العلامة اعتبر أن في الآية اكتفاء على ما قيل: أي متابي ومتابكم أو أن الكلام دال عليه التزاما وهذا أولى على ما قيل فتأمل.
* (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى بل لله الامر جميعا أفلم ياي‍اس الذين ءامنوا أن لو يشآء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتى وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد) * .
* (ولو أن قرءانا) * أي قرآنا ما، والمراد به المعنى اللغوي، وهو اسم أن والخبر قوله تعالى شأنه: * (سيرت به الجبال) * وجواب * (لو) * محذوف لانسياق الكلام إليه كما في قوله: فأقسم لو شيء أتانا رسوله * سواك ولكن لم نجد لك مدفعا والمقصود إما بيان عظم شأن القرآن العظيم وفساد رأي الكفرة حيث لم يقدروا قدره ولم يعدوه من قبيل الآيات واقترحوا غيره؛ وإما بيان غلوهم في المكابرة والعناد وتماديهم في الضلالة والفساد، والمعنى على الأول لو أن كتابا سيرت بإنزاله أو بتلاوته الجبال وزعزعت عن مقارها كما فعل ذلك بالطور لموسى عليه السلام * (أو قطعت به الأرض) * أي شققت وجعلت أنهارا وعيونا كما فعل بالحجر حين ضربه موسى عليه السلام بعصاه أو جعلت قطعا متصدعة * (أو كلم به الموتى) * أي كلم أحد به الموتى بأن أحياهم بقراءته فتكلم معهم بعد، بعد، وذلك كما وقع الأحياء لعيسى عليه السلام لكان ذلك هذا القرآن لكونه الغاية القصوى في الانطواء على عجائب آثار قدرة الله تعالى وهيبته عز وجل كقوله تعالى: * (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) * (الحشر: 21) قاله بعض المحققين، وقيل: في التعليل لكونه الغاية في الإعجاز والنهاية في التذكير والإنذار. وتعقب بأنه لا مدخل للإعجاز في هذه الآثار والتذكير والإنذار مختصان بالعقلاء مع أنه لا علاقة لذلك بتكليم الموتى واعتبار فيض العقول ليها مخل بالمبالغة القصودة، وبحث فيه بأن ما ذكر أولا من مزيد الانطواء على عجائب آثار قدرة الله تعالى أمر يرجع إلى الهيبة وهي أيضا مما لا يترتب عليها تكليم الموتى بل لعلها مانعة من
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»