تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٦٠
كون الأمر كله له سبحانه وكون هداية الناس جميعا منوطة بمشيئته جل وعلا ومن تواتر القوارع على الكفرة حتى يأتي وعده تعالى كأنه قيل: الأمر كذلك فمن هذا شأنه كما ليس في عداد الأشياء حتى يشركوه به فالإنكار متوجه إلى ترتب المعطوف أعني توهم المماثلة على المعطوف عليه القدر أعني كون الأمر كما ذكر لا إلى المعطوفين جميعا وفي " الكشف " أنه ضمن هذا التعقيب الترقي في الإنكار يعني لا عجب من إنكارهم لآياتك الباهرة مع ظهورها إنما العجب كل العجب جعلهم القادر على إنزالها المجازي لهم على إعراضهم عن تدبر معانيها وأمثالها بقوارع تترى واحدة غب أخرى يشاهدونها رأى عين تترامى بهم إلى دار البوار وأهوالها كمن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فضلا عمن اتخذه ربا يرجو منه دفعا أو جلبا. وزعم بعضهم أن الفاء للتعقيب الذكري أي بعد ما ذكر أقول هذا الأمر وليس بذاك * (وجعلوا لله شركاء) * جملة مستأنفة وفيها دلالة على الخبر المحذوف، وجوز أن تكون معطوفة على * (كسبت) * على تقدير أن تكون * (ما) * مصدرية لا موصولة والعائد محذوف، ولا يلزم اجتماع الأمرين حتى يخص كل نفس بالمشركين، وأبعد من قال: إنها عطف على * (اسهزىء) * وجوز أن تكون حالية على معنى أفمن هذه صفاته كمن ليس كذلك؟ وقد جعلوا له شركاء لا شريكا واحدا، وقال صاحب حل العقد: المعنى على الحالية أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت موجود والحال أنهم جعلوا له شركاء، وهذا نظير قولك: أجواد يعطي الناس ويغنيهم موجود ويحرم مثلي. ومنهم من أجاز العطف على جملة * (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) * كمن ليس كذلك لأن الاستفهام الإنكاري بمعنى النفي فهي خبرية معنى، وقدر آخرون الخبر - لم يوحدوه - وجعل العطف عليه أي أفمن هذا شأنه لم يوحدوه وجعلوا له شركاء وظاهر كلامهم اختصاص العطف على الخبر بهذا التقدير دون تقدير كمن ليس كذلك، قال البدر الدماميني: ولم يظهر وجه الاختصاص، ووجه ذلك الفاضل الشمني بأن حصول المناسبة بين المعطوف والمعطوف عليه التي هي شرط قبول العطف بالواو إنما هو على التقدير الأخير دون التقدير الأول. ويدل على الاشتراط قول أهل المعاني: زيد يكتب ويشعر مقبول دون يعطي ويشعر. وتعقبه الشهاب بأنه من قلة التدبر فإن مرادهم أنه على التقدير الأول يكون الاستفهام إنكاريا بمعنى لم يكن نفيا للتشابه على طريق الإنكار فلو عطف جعلهم شركاء عليه يقتضي أنه لم يكن وليس بصحيح، وعلى التقدير الأخير الاستفهام توبيخي والإنكار فيه بمعنى لم كان وعدم التوحيد وجعل الشركاء واقع موبخ عليه منكر فيظهر العطف على الخبر، وأما ما ذكر من حديث التناسب فغفلة لأن المناسبة بين تشبيه الله سبحانه بغيره والشرك تامة؛ وعلى الوجه الأخير عدم التوحيد عين الإشراك فليس محلا للعطف عند أهل المعاني على ما ذكره فهو محتاج إلى توجيه آخر.
واختار بعض المحققين التقدير الأول، وفي ذلك الحذف تعظيم للقالة وتحقير لمن زن بتلك الحالة، وفي العدول عن صريح الاسم في * (أفمن هو قائم) * تفخيم فخيم بواسطة الإبهام المضمر في إيراده موصولا مع تحقيق أن القيام كائن وهم محققون، وفي وضع الاسم الجليل موضع الراجع إلى * (من) * تنصيص على وحدانيته تعالى ذاتا واسما وتنبيه على اختصاصه باستحقاق العبادة مع ما فيه من البيان بعد الإبهام، ولعل توجيه الوضع المذكور مما لا يختص به تقدير دون تقدير وخصه بعضهم فيما يحتاج عليه إلى ضمير * (قل سموهم) * تبكيت
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»