تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٥٦
من غير ضرورة، وقوله تعالى: * (بل لله الأمر جميعا) * أي له الأمر الذي يدور عليه فلك الأكوان وجودا وعدما يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد حسبما تقتضيه الحكم البالغة، قيل: إضراب عما تقتضيه الشرطية من معنى النفي لا بحسب منطوقه بل باعتبار موجبه ومؤداه أي لو أن قرآنا فعل به ما ذكر لكان ذلك هذا القرآن ولكن لم يفعل سبحانه بل فعل ما عليه الشأن الآن لأن الأمر كله له وحده، فالإضراب ليس بمتوجه إلى كون الأمر لله تعالى بل إلى ما يؤدى إليه ذلك من كون الشأن على ما كان لما تقتضيه الحكمة، وقيل: إن حاصل ازضراب لا يكون تسيير الجبال مع ما ذكر بقرآن بل يكون بغيره مما أراده الله تعالى فإن الأمر له سبحانه جميعا، وزعم بعضهم أن الأحسن العطف على مقدر أي ليس لك من الأمر شيء بل الأمر لله جميعا، ومعنى قوله سبحانه: * (أفلم يايئس الذين ءامنوا) * أفلم يعلموآ وهي - كما قال القاسم بنمعن لغة هوازن، وقال: ابن الكلبي: هي لغة حي من النخع، وأنشدوا على ذلك قوله سحيم بن وثيل الرباحي:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني * ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم وقول رباح بن عدي: ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه * وإن كنت عن رض العشيرة نائيا فإنكار الفراء ذلك وزعمه أنه لم يسمع أحد من العرب يقول يئست بمعنى علمت ليس في محله، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، والظاهر أن استعمال اليأس في ذلك حقيقة، وقيل: مجاز لأنه متضمن للعلم فإن الآيس عن الشيء عالم بأنه لا يكون، واعترض بأن اليأس حينئذ يقتضي حصول العلم بالعدم وهو مستعمل في العلم بالوجود، وأجيب بأنه لما تضمن العلم بالعدم تضمن مطلق العلم فاستعمل فيه، ويشهد لإرادة العلم هنا قراءة علي كرم الله تعالى وجهه، وابن عباس. وعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم. وعكرمة. وابن أبي مليكة. والجحدري. وأبي يزيد المدني. وجماعة * (أفلم يتبين) * من تبينت كذا إذا علمته وهي قراءة مسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست مخالفة للسواد إذ كتبوا ييئس بغير صورة الهمزة وأما قول من قال: إنما كتبه الكاتب وهو ناعس فسوى اسنان السين فهو قول زنديق ابن ملحد على ما في " البحر "، وعليه فرواية ذلك كما في " الدر المنثور " عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما غير صحيحة، وزعم بعضهم أنها قراءة تفسير وليس بذاك، والفاء للعطف على مقدر أي أغفلوا عن كون الأمر جميعه لله تعالى فلم يعلموا * (أن لو يشاء الله) * بتخفيف أن وجعل اسمها ضمير الشأن والجملة الامتناعية خبرها وأن وما بعدها ساد مسد مفعولي العلم * (لهدى الناس جميعا) * أي بإظهار أمثال تلك الآثار العظيمة، والإنكار على هذا متوجه إلى المعطوفين جميعا أو أعلموا كون الأمر جميعا لله تعالى فلم يعلموا ما يوجبه ذلك العلم مما ذكر، وحينئذ هو متوجه إلى ترتب المعطوف على المعطوف عليه أي تخلف العلم الثاني عن العلم الأول، وأيا كان فالإنكار إنكار الوقوع لا الواقع ومناط الإنكار ليس عدم علمهم بمضمون الشرطية فقط بل عدم علمهم بعدم تحقق مقدمها كأنه قيل: ألم يعلموا أن الله تعالى لو شاء هدايتهم لهداهم وأنه سبحان لم يشأ ذلك، وذلك لما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الكفار
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»