تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٣٤
هو نفى الاستجابة الحسنى والله تعالى قد نفى الاستجابة مطلقا ولأنه حينئذ يكون * (لو أن لهم) * الخ كلاما مفلتا أو كالمفلت إذ يصير المعنى كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين والكافرين لو أن لهم الخ، ولو كان هناك حرف يربط * (لو) * بما قبلها زال التفلت، وأيضا أنه يوهم الإشراك في الضمير وإن كان تخصيص ذلك بالكافرين معلوما: وتعقب بأنه لا كلام في أولوية التفسير الأول لكن كون ما ذكر وجها لها محل كلام إذ لا مقتضى في التفسير الثاني لتقييد الأمثال عموما بمثل هذين، ألا ترى قوله تعالى: * (كذلك) * ثم إن فيه تفهيم ثواب المستجيبين أيضا ألا يرى إلى القصر المستفاد من تقديم الظرف، وأيضا قوله تعالى: * (الحسنى) * صفة كاشفة لا مفهوم لها فإن الاستجابة لله تعالى لا تكون إلا حسنى وكيف يكون قوله سبحانه: * (لو ان لهم) * الخ مفلتا وقد قالوا: إنه كلام مبتدأ لبيان حال المستجيبين يعنون انه استئناف بياني جواب للسؤال عن مآل حالهم ثم كيف يتوهم الإشتراك مع كون تخصيصه بالكافرين معلوما انتهى. قال بعض المحققين: إن ما ذكر متوجه بحسب بادىء الرأي والنظرة الأولى أما إذا نظر بعين الانصاف بعد تسليم أن ذاك أولى وأقوى علم أن ما قاله أبو حيان وارد فإن قوله تعالى: * (كذلك) * يقتضي أن هذا شأنه وعادته عز شأنه في ضرب الأمثال فيقتضي أن ما جرت به العادة القرآنية مقيد بهؤلاء وليس كذلك، وما ذكره المتعقب ولو سلم فهو خلاف الظاهر. وأما قوله: إن المستجيبين معلوم مما ذكره ففرق بين العلم ضمنا والعلم صراحة، وأما أن الصفة مؤكدة أو لا مفهوم لها فخلاف الأصل أيضا، وكون الجملة غير مرتبطة بما قبلها ظاهر، والسؤال عن حال أحد الفريقين مع ذكرهما ملبس، وعود الضمير على ما قبله مطلقا هو المتبارد وما ذكر لا يدفع الإيهام. وفي إرشاد العقل السليم بعد نقل التفسير الأخير وحمل الأمثال فيه على الأمثال السابقة: وأنت خبير بأن عنوان الاستجابة وعدمها لا مناسبة بينه وبين ما يدور عليه أمر التمثيل وأن الاستعمال المستفيض دخول اللام على من يقصد تذكيره بالمثل. نعم قد يستعمل في هذا المعنى أيضا كما في قوله تعالى: * (ضرب الله مثلا للذين آمنوا أمرأة فرعون) * (التحريم: 11) ونظائره، على أن بعض الأمثال المضروبة لا سيما المثل الأخير الموصول بالكلام ليس مثل الفريقين بل مثل للحق والباطل ولا مساغ لجعل الفريقين مضروبا لهم أيضا بأن يجعل في حكم أن يقال: كذلك يضرب الله الأمثال للناس إذ لا وجه حينئذ لتنويعهم إلى المستجيبين وغير المستجيبين؛ ويؤيد هذا ما في الكشف حيث قال: إن جعل * (للذين استجابوا) * من تتمة الأمثال لا من صلة يضرب متكلف لأنهما مثلا الحق والباطل بالاصالة ومن صلة * (يضرب) * أبعد لأن الأمثال إنما ضربت لمن يعقل.
ثم إن كون المراد بالأمثال الأمثال السابقة مبني على أن ما تقدم كان أمثالا والمشهور أنه مثلان، نعم أخرج ابن جرير. وغيره عن قتادة أنه قال في الآية: هذه ثلاثة أمثال ضربها الله تعالى في مثل واحد، وبعد هذا كله لا شك في سلامة التفسير الأول من القيل والقال وانه الذي يستدعيه النظم الجليل لأن تمام حسن الفاصلة أن تكون كاسمها ولهذا انحط قول امرىء القيس: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى * بصبح وما إلا صباح منك بأمثل عن قول المتنبي: إذا كان مدحا فالنسيب المقدم * أكل فصيح قال شعرا متيم وهو الذي فهمه السلف من الآية، ومن هنا كان أكثر الشيوخ يقفون على الأمثال ويتبدءون بقوله تعالى: * (للذين استجابوا) * وقال صاحب المرشد: إنه وقف تام والوقف على * (الحسنى) * حسن وكذا على * (لافتدوا به) *
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»