تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٢٣
على أنه مفعل من حال يحول إذا احتال لأن الأصل توافق القراءتين، ويقال للحيلة أيضا المحالة؛ ومنه المثل المرء يعجز لا المحالة، وقال أبو زيد: هو بمعنى النقمة وكأنه أخذه من المحل بمعنى القحط أيضا، وقال ابن عرفة: هو الجدال يقال: ما حل عن أمره أي جادل، وقيل: هو بمعنى الحقد وروي عن عكرمة وحملوه على التجوز.
وجوز أن يكون * (المحال) * بالفتح بمعنى الفقار وهو عمود الظهر وقوامه، قال في الأساس: يقال فرس قوي المحال أي الفقار الواحدة محالة والميم أصلية، ويكون ذلك مثلا في القوة والقدرة كما جاء في الحديث الصحيح " فساعد الله تعالى أسد وموساه أحد " لأن الشخص إذا اشتد محاله كان منعوتا بشدة القوة والاضطلاع بما يعجز عنه غيره، ألا ترى إلى قولهم: فقرته الفواقر وهو مثل لتوهين القوى، وبهذا الحمل لا يلزم إثبات الجسمية له تعالى، والجملة الاسمية في موضع الحال من الاسم الجليل.
* (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشىء إلا كب‍اسط كفيه إلى المآء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعآء الك‍افرين إلا فى ضل‍ال) * .
* (له) * أي لله تعالى * (دعوة الحق) * أي الدعاء والتضرع الثابت الواقع في محله المجاب عند وقوعه، والإضافة للإيذان بملابسة الدعوة للحق واختصاصها به وكونها بمعزل من شائبة البطلان والضلال والضياع كما يقال: كلمة الحق؛ والمراد أن إجابة ذلك له تعالى دون غيره، ويؤيده ما بعد كما لا يخفى وقيل: المراد بدعوة الحق الدعاء عند الخوف فإنه لا يدعي فيه إلا الله تعالى كما قال سبحانه: * (ضل من تدعون إلا إياه) * (الإسراء: 67) وزعم الماوردي أن هذا أشبه بسياق الآية، وقيل: الدعوة بمعنى الدعاء أي طلب الإقبال، والمراد به العبادة للاشتمال، والإضافة على طرز ما تقدم، وبعضنم يقول: إن هذه الإضافة من إضافة الموصوف إلى الصفة والكلام فيها شهير، وحاصل المعنى أن الذي يحق أن يعبد هو الله تعالى دون غيره.
ويفهم من كلام البعض - على ما قيل - أن الدعوة بمعنى الدعاء ومتعلقها محذوف أي للعبادة، والمعنى أنه الذي يحق أن يدعي إلى عبادته دون غيره، ولا يخفى ما بين المعنيين من التلازم فإنه إذا كانت الدعوة إلى عبادته سبحانه حقا كانت عبادته جل شأنه حقا وبالعكس، وعن الحسن أن المراد من الحق هو الله تعالى، وهو - كما في " البحر " - ثاني الوجهين اللذين ذكرهما الزمخشري، والمعنى عليه كما قال: له دعوة المدعو الحق الذي يسمع فيجيب، والأول ما أشرنا إليه أولا وجعل الحق فيه مقابل الباطل.
وبين صاحب الكشف حاصل الوجهين بأن الكلام مسوق لاختصاصه سبحانه بأن يدعي ويعبد ردا لمن يجادل في الله تعالى ويشرك به سبحانه الأنداد ولا بد من أن يكون في الإضافة إشعار بهذا الاختصاص، فإن جعل الحق في مقابل الباطل فهو ظاهر، وإن جعل اسما من أسمائه تعالى كان الأصل لله دعوته تأكيدا للاختصاص من اللام والإضافة ثم زيد ذلك بإقامة الظاهر مقام المضمر معادا بوصف ينبىء عن اختصاصها به أشد الاختصاص فقيل: له دعوة المدعو الحق والحق من أسمائه سبحانه يدل على أنه الثابت بالحقيقة وما سواه باطل من حيث هو وحق بتحقيقه تعالى إياه فيتقيد بحسب كل مقام للدلالة على أن مقابله لا حقيقة له، وإذا كان المدعو من دونه بطلانه لعدم الاستجابة فهو الحق الذي يسمع فيجيب انتهى. وبهذا سقط ما قاله أبو حيان في الاعتراض على الوجه الثاني من أن مآله إلى الله دعوة الله وهو نظير قولك: لزيد دعوة زيد ولا يصح ذلك، واستغنى عما قال العلامة الطيبي
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»