تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٣٩
في الرذائل البشرية والكدورات الطبيعية " لو أن لهم ما في الأرض " الجهة السفلية من الأموال والأسباب التي انجذبوا إليها بالمحبة فأهلكوا أنفسهم بها " ومثله معه لافتداو به " ما ينالهم من الحجاب والحرمان * (أولئك لهم سوء الحساب) * لوقوفهم مع الأفعال في مقام النفس * (ومأواهم جهنم) * الحرمان * (وبئس المهاد) * (الرعد: 18) جهنم والعياذ بالله تعالى ونسأله العفو والعافية.
* (أفمن يعلم أنمآ أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألب‍اب) * .
* (أفمن يعلم أنما إليك من ربك) * من القرآن الذي مثل بالماء المنزل من السماء والإبريز الخالص في المنفعة والجدوى هو * (الحق) * الذي لا حق وراءه أو الحق الذي أشير إليه بالأمثال المضروبة فيستجيب له * (كمن هو أعمى) * عمى القلب لا يدركه ولا يقدر قدره وهو - هو - فيبقى حائرا في ظلمات الجهل وغياهب الضلال ولا يتذكر بما ضرب من الأمثال، والمراد كمن لا يعلم ذلك إلا أنه أريد زيادة تقبيح حاله فعبر عنه بالأعمى، والهمزة للإنكار وإيراد الفاء بعدها لتوجيه الإنكار إلى ترتب توهم المماثلة على ظهور حال كل منهما بما ضرب من الأمثال وما بين من المصير والمآل كأنه قيل: أبعد ما بين حال كل من الفريقين وما لهما يتوهم المماثلة بينهما.
وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما * (أو من يعلم) * بالواو مكانا الفاء * (إنما يتذكر) * بما ذكر من المذكرات فيقف على ما بينهما من التفاوت والتنائي * (أولوا الألباب) * أي العقول الخالصة المبرأة من متابعة الألف ومعارضة الوهم، فاللب أخص من العقل وهو الذي ذهب إليه الراغب، وقيل: هما مترادفات والقصد بما ذكر دفع ما يتوهم من أن الكفار عقلاء مع أنهم غير متذكرين ولو نزلوا منزلة المجانين حسن ذلك.
والآية على ما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في حمزة رضي الله تعالى عنه. وأبي جهل وقيل: في عمر رضي الله تعالى عنه. وأبي جهل، وقيل: في عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه. وأبي جهل، وقد أشرنا إلى وجه اتصالها بما قبلها، والعلامة الطيبي بعد أن قرر وجه الاتصال بأن * (فمن يعلم) * عطف على جملة * (للذين استجابوا) * الخ والهمزة مقحمة بين المعطوف والمعطوف عليه، وذكر من معنى الآية على ذلك ما ذكر قال: ثم إنك إذا أمعنت النظر وجدتها متصلة بفاتحة السورة يعني بقوله تعالى: * (والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) * وهو كما ترى.
* (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميث‍اق) * .
* (الذين يوفون بعهد الله) * بما عقدوا على أنفسهم من الاعتراف بربوبيته تعالى حين قالوا: بلى، أو بما عهد الله تعالى عليهم في كتبه من الأحكام فالمراد به ما يشمل جميع الأمم، وإضافة العهد إلى الاسم الجليل من باب إضافة المصدر إلى مفعوله على الوجه الأول ومن باب إضافة المصدر إلى الفاعل على الثاني، وإذا أريد بالعهد ما عقده الله تعالى عليهم يوم قال سبحانه: * (ألست بربكم) * (الأعراف: 172) كانت الإضافة مطلقا من باب إضافة المصدر إلى الفاعل وهو الظاهر كما في " البحر "، وحكى حمل العهد على عهد * (ألست) * عن قتادة، وحمله على ما عهد في الكتب عن بعضهم، ونقل عن السدي حمله على ما عهد إليهم في القرآن، وعن القفال حمله على ما في جبلتهم وعقولهم من دلائل التوحيد والنبوات إلى غير ذلك واستظهر حمله على العموم * (ولا ينقضون الميثاق) * ما وثقوا من المواثيق بين الله تعالى وبينهم من الإيمان به تعالى والأحكام والنذور وما بينهم وبين العباد كالعقود وما ضاهاها، وهو تعميم بعد تخصيص وفيه تأكيد للاستمرار المفهوم من صيغة المستقبل.
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»