تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٢٩
بالإنكار والنفي هو القيد والمقيد على ما نص عليه غير واحد من المحققين. وفي الانتصاف أن * (خلقوا كخلقه) * في سياق الإنكار جىء به للتهكم فإن غير الله تعالى لا يخلق شيئا لا مساويا ولا منحطا وقد كان يكفي في الإنكار لولا ذلك أن الآلهة التي اتخذوها لا تخلق.
وتعقبه الطيبي بأن إثبات التهكم تكلف فإنه ذكر الشيء وإرادة نقيضه استحقارا للمخاطب كما في قوله تعالى: * (فبشرهم بعذاب أليم) * (آل عمران: 21) وههنا * (كخلقه) * جيء به مبالغة في إثبات العجز لآلهتهم على سبيل الاستدراج وارخاء العنان، فإنه تعالى لما أنكر عليهم أولا اتخاذهم من دونه شركاء ووضفها بأنها لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا فكيف تملك ذلك لغيرها أنكر عليهم ثانيا على سبيل التدرج وصف الخلق أيضا، يعني هب أن أولئك الشركاء قادرون على نفع أنفسهم وعلى نفع عبدتهم فهل يقدرون على أن يخلقوا شيئا، وهب أنهم قادرون على خلق بعض الأشياء فهل يقدرون على ما يقدر عليه الخالق من خلق السموات والأرض ا ه‍. والحق أن الآية ناعية عليهم متهكمة بهم فإن من لا يملك لنفسه شيئا من النفع والضر أبعد من أن يفيدهم ذلك، وكيف يتوهم فيه أنه خالق وأن يشتبه على ذي عقل فينبه على نفيه، وهذا المقدار يكفي في الغرض فافهم * (قل) * تحقيقا للحق وارشادا لهم * (والله خالق كل شيء) * من الجواهر والاعراض، ويلزم هذا أن لا خالق سواه لئلا يلزم التوارد وهو المقصود ليدل على المراد وهو نفي استحقاق غيره تعالى للعبادة والألوهية أي لا خالق سواه فيشاركه في ذلك الاستحقاق.
وبعموم الآية استدل أهل السنة على أن افعال العباد مخلوقة له تعالى، والمعتزلة تزعم التخصيص بغير أفعالهم. ومن الناس من يحتج أيضا لما ذهب إليه أهل الحق بالآية الأولى وهو كما ترى * (وهو الواحد) * المتوحد بالألوهية المنفرد بالربوبية * (القهار) * الغالب على كل ما سواه ومن جملة ذلك آلهتهم فيكف يكون المغلوب شريكا له تعالى، وهذا على ما قيل كالنتيجة لما قبله، وهو يحتمل أن يكون من مقول وأن يكون جملة مستأنفة.
* (أنزل من السمآء مآء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه فى النار ابتغآء حلية أو مت‍اع زبد مثله كذالك يضرب الله الحق والب‍اطل فأما الزبد فيذهب جفآء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الارض كذالك يضرب الله الامثال) * .
* (أنزل من السماء) * أي من جهتها على ما هو المشاهد، وقيل: منها نفسها ولا تجوز في الكلام. واستدل له بآثار الله تعالى أعلم بصحتها، وقيل: انزل منها نفسها * (ماء) * أي كثيرا أو نوعا منه وهو ماء المطر باعتبار أن مباديه منها وذلك لتأثير الإجرام الفلكية في تصاعد البخار فيتجوز في * (من) * * (فسالت) * بذلك * (أودية) * دافعة في مواقعه لا جميع الأودية إذ الأمطار لا تستوعب الأقطار وهو جمع واد.
قال أبو علي الفارسي: ولا يعلم أن فاعلا جمع على افعلة، ويشبه أن يكون ذلك لتعاقب فاعل وفعيل على الشيء الواحد كعالم وعليم وشاهد وشهيد وناصر ونصير. ثم ان وزن فاعل يجمع على أفعال كصاحب وأصحاب وطائر وأطيار. ووزن فعيل بجمع على أفعلة كجريب وأجربة، ثم لما حصلت المناسبة المذكورة بين فاعل وفعيل لا جرم يجمع فاعل جمع فعيل فيقال: واد وأودية ويجمع فعيل فاعل يتيم وأيتام وشريف وأشراف ا ه‍. ونظير ذلك ناد وأندية وناج وأنجية قيل. ولا رابع لها. وفي شرح التسهيل ما يخالفه. والوادي الموضع الذي يسيل فيه المار بكثيرة، وبه سميت الفرجة بين الجبلين ويطلق على المار الجاري فيه، وهو اسم فاعل من ودي إذا سأل فإن أريد الأول فالإسناد مجازي لو الكلام على تقدير مضاف كما قال الإمام أي مياه أودية، وإن أريد الثاني وهو معنى مجازي من باب اطلاق اسم المحل على الحال فالإسناد حقيقي، وإيثار التمثيل بالأودية على
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»