تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٣١
مثل آخر أي ومن الذي يفعلون الايقاد * (عليه) * وضمير الجمع للناس أضمر مع عدم السبق لظهوره، وقرأ أكثر السبعة. وأبو جعفر. والأعرج. وشيبة * (توقدون) * بتاء الخطاب، والجار متعلق بما عنده وكذا قوله تعالى: * (في النار) * عند أبي البقاء. والحوفي، قال أبو علي: قد يوقد على الشيء وليس في النار كقوله تعالى: * (فأوقد لي يا هامان على الطين) * (القصص: 38) فإن الطين الذي أمر بالوقد عليه ليس في النار وإنما يصيبه لهبها، وقال مكي. وغيره: إن * (في النار) * متعلق بمحذوف وقع حالا من الموصول أي كائنا أو ثابتا فيها، ومنعوا تعلقه - بتوقدون - قالوا: لأنه لا يوقد على شيء إلا وهو في النار والتعليق بذلك يتضمن تخصيص حال من حال أخرى، وقال أبو حيان: لو قلنا: إنه لا يوقد على شيء إلا وهو في النار لجاز أيضا التعليق على سبيل التوكيد كما قالوا في قوله تعالى: * (ولا طائر يطير بجناحيه) * (الأنعام: 38) وقيل: إن زيادة ذلك للأشعار بالمبالغة في الاعتمال للاذابة وحصول الزبد؛ والمراد بالموصول نحو الذهب. والفضة. والحديد. والنحاس. والرصاص، وفي عدم ذكرها بأسمائها والعدول إلى وصفها بالايقاد عليها المشعر بضربها بالمطارق لأنه لأجله وبكونها كالحطب الخسيس تهاون بها إظهارا لكبريائه جل شأنه على ما قيل، وهو لا ينافي كون ذلك ضرب مثل للحق لأن مقام الكبرياء يقتضي التهاون بذلك مع الإشارة إلى كونه مرغوبا فيه منتفعا به بقوله تعالى: * (ابتغاء حلية أو متاع) * فوفي كل من المقامين حقه فما قيل: إن الحل على التهاون لا يناسب المقام لأن المقصود تمثيل الحق بها وتحقيرها لا يناسبه ساقط فتأمل.
ونصب * (ابتغاء) * على أنه مفعول له كما هو الظاهر، وقال الحوفي: إنه مصدر في موضع الحال أي مبتغين وطالبين اتخاذ حلية وهي ما يتزين ويتجمل به كالحلى المتخذ من الذهب والفضة واتخاذ متاع وهو ما يتمتع به من الأواني والآلات المتخذة من الحديد والرصاص وغير ذلك من الفلزات * (زبد) * خبث * (مثله) * أي مثل ما ذكر من زبد الماء في كونه رابيا فوقه رفع * (زبد) * على أنه مبتدأ خبره * (مما توقدون) * و * (من) * لابتداء الغاية دالة على مجرد كونه مبتدأ وناشئا منه. واستظهر أبو حيان كونها للتبعيض لأن ذلك الزبد بعض ما يوقد عليه من تلك المعادن ولم يرتضه بعض المحققين لإخلاله على ما قال بالتمثيل، وإنما لم يتعرص لإخراج ذلك من الأرض كما تعرض لعنوان انزال الماء من السماء لعدم دخل ذلك العنوان في التمثيل على ما ستعمله إن شاء الله تعالى كما أن للعنوان السابق دخلا فيه بل له إخلال بذلك * (كذالك) * أي مثل ذلك الضرب البديع المشتمل على نكت رائقة: * (يضرب الله الحق والباطل) * أي مثل الحق ومثل الباطل، والحذف للابناء على كمال التمثال بين الممثل والممثل به كأن المثل المضروب عين الحق والباطل * (فايما الزبد) * من كل من السيل وما يوقدون عليه، وأفردو لم يثن وإن تقدم زبدان لاشتراكهما في مطلق الزبدية فهما واحد باعتبار القدر المشترك * (فيذهب جفاءا) * مرميا به يقال: جفا الماء بالزبد إذا قذفه ورمى به، ويقال: أجفأ أيضا بمعناه، وقال ابن الأنباري: جفاء أي متفرقا من جفأت الريح الغيم إذا قطعته وفرقته وجفأت الرجل صرعته، ويقال: جفأ الوادي وأجفأ إذا نشف، وقرىء * (جفالا) * باللام بدل الهمزة وهو بمعنى متفرقا أيضا أخذا من جفلت الريح الغيم كفأت ونسبت هذه القراءة إلى رؤبة، قال ابن أبي حاتم: ولا يقرأ بقراءته لأنه كان يأكل الفأر يعني أنه كان إعرابيا جافيا،
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»