إغاظة موسى عليه السلام وإقناطه عن الإيمان بما جاء به، وفي إرشاد العقل السليم أن تثنية الضمير في هذين الموضعين بعد أفراده فيما تقدم من المقامين باعتبار شمول الكبرياء عليهما السلام واستلزام التصديق لأحدهما التصديق للآخر، وأما اللفت والمجيء له فحيث كانا من خصائص صاحب الشريعة أسند إلى موسى عليه السلام خاصة انتهى فتدبر * (وقال فرعون ائتونى بكل ساحر عليم) *.
* (وقال فرعون) * أسند الفعل إليه وحده لأن الأمر من وظائفه دون الملأ وهذا بخلاف الأفعال السابقة من الاستكبار ونحوه فإنها مما تسند إليه وإلى ملئه، لكن الظاهر أنه غير داخل في القائلين * (أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا) * لأنه عليه اللعنة لم يكن يظهر عبادة أحد كما كان يفعله ملؤه وسائر قومه، أي قال لملئه يأمرهم بترتيب مبادي الالزام بالفعل بعد اليأس عن الالزام بالقول * (ائتوني بكل ساحر عليم) * بفنون السحر حاذق ماهر فيه. وقرأ حمزة. والكسائي * (ساحر) *.
* (فلما جآء السحرة قال لهم موسى ألقوا مآ أنتم ملقون) * * (فلما جاء السحرة) * (يونس: 80) عطف على مقدر يستدعيه المقام قد حذف إيذانا بسرعة امتقالهم لومر كما هو شأن الفاء الفصيحة، وقد نص على نظير ذلك في قوله سبحانه: * (فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت) * (البقرة: 60) أي فأتوا به فلما جاؤوا * (قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون) * أي ما ثبتم واستقر رأيكم على إلقائه كائنا ما كان من أصنف السحر، وأصل الالقاء طرح الشيء حيث تلقاه أي تراه ثم صار في العرف أسما لكل طرح، وكان هذا القول منه عليه السلام بعد ما قالوا له ما حكى عنهم في السور الأخر من قولهم: * (إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين) * (الأعراف: 115) ونحو ذلك ولم يكن في إبتداء مجيئهم، و * (ما) * موصولة والجملة بعدها صلة والعائد محذوف أي ملقون إياه، ولا يخفى ما في الإبهام من التحقير والاشعار بعدم المبالاة، والمراد أمرهم بتقديم ما صمموا على فعله ليظهر إبطاله وليس المراد الأمر بالسحر والرضا به.
* (فلمآ ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين) * * (فلما ألقوا) * ما ألقوا من العصى والحبال واسترهبوا الناس وجاؤوا بسحر عظيم * (قال) * لهم * (موسى) * غير مكترث بهم وبما صنعوا * (ما جئتم به السحر) * * (ما) * موصولة وقعت مبتدأ و * (السحر) * خبر وأل فيه للجنس والتعريف لإفادة القصر إفرادا أي الذي جئتم به هو السحر لا الذي سماه فرعون وملؤه من آيات الله تعالى سحرا وهو للجنس، ونقل عن الفراء أن أل للعه، لتقدم السحر في قوله تعالى: * (إن هذا لسحر) * ورد بأن شرط كونها للعهد اتحاد المتقدم والمتأخر ذاتا كما في * (أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول) * (المزمل: 15، 16) ولا اتحاد فيما نحن فيه فإن السحر المتقدم ما جاء به موسى عليه السلام وهذا ما جاء به السحرة. ومن الناس من منع اشتراط الاتحاد الذاتي مدعيا أن الاتحاد في الجنس كاف فقد قالوا في قوله تعالى: * (والسلام على) * إن أل للعهد مع أن السلام الواقع على عيسى عليه السلام غير السلام الواقع على يحيى عليه السلام ذاتا، والظاهر اشتراط ذلك وعدم كفاية الاتحاد في الجنس وإلا لصح في رأيت رجلا وأكرمت الرجل إذا كان الأول زيدا والثاني عمرا مثلا أن يقال: إن أل للعه، لأن الاتحاد في الجنس ظاهر ولم نجد من يقوله بل لا أظن أحدا تحدثه نفسه بذلك وما في الآية من هذا القبيل بل المغايرة بين المتقدم والمتأخر أظهر إذ الأول سحر ادعائي والثاني حقيقي، و * (السلام) * فيما نقوا متحد وتعدد من وقع عليه لا يجعله متعددا في العرف والتدقيق الفلسفي لا يلتفت إليه في مثل ذلك.
وقد ذكر بعض المحققين أن القول يكون التعريف للعهد مع دعوى استفادة القصر منه مما يتنافيان لأن