تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٦٣
* (على قلوب المعتدين) * أي المتجاوزين عن الحدود المعهودة في الكفر والعناد ونمنعها لذلك عن قبول الحق وسلوك سبيل الرشاد، وقد جاء الطبع بمعنى الدنس ومنه طبع السيف لصدئه ودنسه، وبعضهم حمل ما في الآية على ذلك، وفسره المعتزلة حيث وقع منسوبا إليه تعالى بالخذلان تطبيقا له على مذهبهم، ومن هنا قال الزمخشري: إنه جار مجرى الكناية عن عنادهم ولجاجهم لأن من عاند وثبت على اللجاج خذله الله تعالى ومنعه التوفيق واللطف فلا يزال كذلك حتى يتراكم الرين والطبع على قلبه، ومراده كما قيل أن * (نطبع) * بمعنى نخذل على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية لكن لما كان الطبع الذي هو الخذلان تابعا لعنادهم ولجاجهم لازما لهما أجرى مجرى الكناية عنهما. وقرىء * (يطبع) * بالياء على أن الضمير لله سبحانه وتعالى:
* (ثم بعثنا من بعدهم موسى وه‍ارون إلى فرعون وملئه بآي‍اتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين) * * (ثم بعثنا) * عطف على * (ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم) * (يونس: 74) عطف قصة على قصة * (من بعدهم) * أي من بعد أولئك الرسل عليهم السلام * (موسى وهارون) * أوثر التنصيص على بعثتهما عليهما السلام مع ضرب تفصيل إيذانا بخطر شأن القصة وعظم وقعها * (إلى فرعون وملائه) * أي أشراف قومه الذين يحتمعون على رأي فيملأون العين رواء والنفوس جلالة وبهاء، وتخصيصهم بالذكر لأصالتهم في إقامة المصالح والمهمات ومراجعة الكل إليهم في النوازل والملمات، وقيل: المراد بهن هنا مطلق القوم من استعمال الخاص في العام * (بآياتنا) * أي أدلتنا ومعجزاتنا وهي الآيات المفصلات في الاعراف والباء للملابسة أي متلبسين بها * (فاستكبروا) * أي تكبروا وأعجبوا بأنفسهم وتعظموا عن الاتباع، والفاء فصيحة أي فأتياهم فبلغاهم الرسالة فاستكبروا، وأشير بهذا الاستكبار إلى ما وقع منهم أول الأمر من قول اللعين لموسى عليه السلام: * (ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين) * (الشعراء: 18) وغير ذلك * (وكانوا قوما مجرمين) * جملة معترضة تذييلية وجوز فيها الحالية بتقدير قد، وعلى الوجهين تفيد اعتيادهم الاجرام وهو فعل الذنب العظيم، أي وكانوا قوما شأنهم ودأبهم ذلك.
وقد يؤخذ مما ذكر تعليل استكبارهم، والحمل على العطف الساذج لا يناسب البلاغة القرآنية ولا يلائمها فمعلوم هذا القدر من سوابق أوصافهم.
* (فلما جآءهم الحق من عندنا قالوا إن ه‍اذا لسحر مبين) * * (فلما جاءهم الحق من عندنا) * الفاء فصيحة أيضا معربة عما صرح به في مواضع أخر كأنه قيل: قال موسى: قد جئتكم ببينة من ربكم إلى قوله تعالى: * (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين) * (الأعراف: 107 - 108) فلما جاءهم الحق * (قالوا) * من فرط عنادهم وعتوهم مع تناهي عجزهم:
* (إن ه‍اذا لسحر مبين) * أي ظاهر كونه سحرا أو واضح في بابه فائق فيما بين أضرابه - فمبين - من أبان بمعنى ظهر واتضح لا بمعنى أظهر وأوضح كما هو أحد معنييه، والإشارة إلى الحق الذي جاءهم، والمراد به كما قال غير واحد الآيات، وقد أقيم مقام الضمير للإشارة إلى ظهور حقيته عند كل أحد، ونسبة المجيء إليه على سبيل الاستعارة تشير أيضا إلى غاية ظهوره وشدة سطوعه بحيث لا يخفى على من له أدنى مسكة، ومن هنا قيل في المعنى: فلما جاءهم الحق من عندنا وعرفوه قالوا الخ، فالاعتراض عليه بأنه لا دلالة في الكلام على هذه المعرفة وإنما تعلم من موضع آخر كقوله سبحانه: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) * (النمل: 14) من قلة المعرفة لظهور دلالة ما علمت، وكذا ما قالوا بناء على ما قيل من دلالته على الاعتراف وتناهى العجز عليها، وقرىء * (لساحر) *
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»