تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٧٠
* (إن كنتم مسلمين) * أي مستسلمين لقضاء الله تعالى مخلصين له، وليس هذا من تعليق الحكم بشرطين بل من تعليق شيئين بشرطين لأنه علق وجوب التوكل المفهوم من الأمر وتقديم المتعلق بالإيمان فإنه المقتضى له وعلق نفس التوكل ووجوده بالإسلام والإخلاص لأنه لا يتحقق مع التخليط، ونظير ذلك - إن دعاك زيد فأجبه إن قدرت عليه - فإن وجوب الإجابة معلق بالدعوة ونفس الدعوة معلقة بالقدرة، وحاصله إن كنتم آمنتم بالله فيجب عليكم التوكل عليه سبحانه فافعلوه واتصفوا به إن كنتم مستسلمين له تعالى.
وهذا النوع على ما في " الكشف " يفيد مبالغة في ترتب الجزاء على الشرط على نحو - إن دخلت الدار فأنت طالق إن كنت زوجتي - وجعله بعضهم من باب التعليق بشرطين المقتضى لتقدم الشرط الثاني على الأول في الوجود حتى لو قال: إن كلمت زيدا فأنت طالق إن دخلت الدار لم تطلق ما لم تدخل قبل الكلام لأن الشرط الثاني شرط للأول فيلزم تقدمه عليه، وقرره بأن ههنا ثلاثة أشياء: الإيمان. والتوكل. والإسلام، والمراد بالإيمان التصديق وبالتوكل إسناد الأمور إليه عز وجل، وبالإسلام تسليم النفس إليه سبحانه وقطع الأسباب فعلق التوكل بالتصديق بعد تعليقه بالإسلام لأن الجزاء معلق بالشرط الأول وتفسير للجزاء الثاني كأنه قيل: إن كنتم مصدقين بالله تعالى وآياته فخصوه سبحانه بإسناد جميع الأمور إليه وذلك لا يتحصل إلا بعد أن تكونوا مخلصين لله تبارك وتعالى مستسلمين بأنفسكم له سبحانه ليس للشيطان فيكم نصيب وإلا فاتركوا أمر التوكل.
ويعلم منه أن ليس لكل أحد من المؤمنين الخوض في التوكل بل للآحاد منهم وأن مقام التوكل دون مقام التسليم والأكثر على الأول ولعله أدق نظرا.
* (فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظ‍المين) * * (فقالوا) * مجيبين له عليه السلام من غير تلعثم وبلع ريق في ذلك * (على الله توكلنا) * لا على غيره سبحانه ويؤخذ من هذا القصر والتعبير بالماضي دون نتوكل أنهم كانوا مؤمنين مخلصين، قيل: ولذا أجيب دعاؤهم * (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظ‍المين) * أي موضع فتنة وعذاب لهم بأن تسلطهم علينا فيعذبونا أو يفتنونا عن ديننا أو يفتنوا بنا ويقولوا: لو كان هؤلاء على الحق لما أصيبوا.
* (ونجنا برحمتك من القوم الك‍افرين) * * (ونجنا برحمتك من القوم الك‍افرين) * دعاء بالإنجاء من سوء جوارهم وسوء صنيعهم بعد الإنجاء من ظلمهم، ولذا عبر عنهم بالكفر بعدما وصفوا بالظلم ففيه وضع المظهر موضع المضمر، وجوز أن يراد من القوم الظالمين الملأ الذين تخوفوا منهم ومن القوم الكافرين ما يعمهم وغيرهم، وفي تقديم التوكل على الدعاء وإن كان بيانا لامتثال أمر موسى عليه السلام لهم به تلويح بأن الداعي حقه أن يبني دعاءه على التوكل على الله تعالى فإنه أرجى للإجابة ولا يتوهمن أن التوكل مناف للدعاء لأنه أحد الأسباب للمقصود والتوكل قطع الأسباب لأن المراد بذاك قطع النظر عن الأسباب العادية وقصره على مسببها عز وجل واعتقاد أن الأمر مربوط بمشئته سبحانه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وقد صرحوا أن الشخص إذا تعاطى الأسباب معتقدا ذلك يعد متوكلا أيضا، ومثل التوكل في عدم المنافاة للدعاء على ما تشعر به الآية الاستسلام. نعم في قول بعضهم: إن الاستسلام من صفات إبراهيم عليه السلام وكان من آثاره ترك الدعاء حين ألقى في النار واكتفاؤه عليه السلام بالعلم المشار إليه بقوله: حسبي من سؤالي علمه بحالي ما يشعر بالمنافاة ومن عرف المقامات وأمعن النظر هان عليه أمر الجمع.
* (وأوحينآ إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلواة وبشر المؤمنين) * * (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا) * * (أن) * مفسرة لأن في الوحي معنى القول، ويحتمل أن
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»