تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٦٨
عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون الخ، وإنما لم يذكر تعويلا على ذلك وإيثار للإيجاز وإيذانا بأن قوله تعالى: * (إن الله سيبطله) * (يونس: 81) مما لا يحتمل الخلف أصلا، ولعل عطفه على ذلك بالفاء باعتبار الإيجاب الحادث الذي هو أحد مفهومي الحصر، فانهم قالوا: معنى ما قام إلا زيد قام زيد ولم يقم غيره، وبعضهم لم يعتبر ذلك وقال: إن عطفه بالفاء على ذلك مع كونه عدما مستمرا من قبيل ما في قوله تعالى: * (فاتبعوا أمر فرعون) * وما في قولك: وعظته فلم يتعظ - وصحت به فلم ينزجر، والسر في ذلك أن الاتيان بالشيء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه وإن كان استمرارا عليه لكنه بحسب العنوان فعل جديد وضع حادث أي فما آمن عليه السلام في مبدى أمره * (إلا ذرية من قومه) * أي إلا أولاد بعض بني إسرائيل دعا عليه السلام الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون وأجابته طائفة من شبانهم، فالمراد من الذرية الشبان لا الأطفال. و * (من) * للتبعيض، وجوز أن تكون للابتداء والتبعيض مستفاد من التنوين، والضمير لموسى عليه السلام كما هو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأخرج ابن جرير عنه أن الضمير لفرعون وبه قال جمع، فالمؤمنون من غير بني إسرائيل ومنهم زوجته آسية وماشطته ومؤمن آل فرعون والخازن وامرأته، وفي إطلاق الذرية على هؤلاء نوع خفاء. ورجح بعضهم ارجاع الضمير لموسى عليه السلام بأنه المحدث عنه وبأن المناس على القول الآخر الاضمار فيما بعد، ورجح ابن عطية ارجاع الضمير لفرعون بأن المعروف في القصص أن بني إسرائيل كانوا في قهر فرعون وكانوا قد بشروا بأن خلاضهم على يد مولود يكون نبيا صفته كذا كذا فلما ظهر موسى عليه السلام اتبعوه ولم يعرف أن أحدا منهم خالفه فالظاهر القول الثاني، وما ذكر من أن المحدث عنه موسى عليه السلام لا يخلو عن شيء، فإن لقائل أن يقابل ذلك بأن الكلام في قوم فرعون لأنهم القائلون إنه ساحر ولأن وعظ أهل مكة وتخويفهم المسوق له الآيات قاض بأن المقصود هنا شرح أحوالهم. وأنت تعلم أن للبحث في هذا مجالا والمعروف بعد تسليم كونه معروفا لا يضر القول الأول لأن المراد حينئذ فما أظهر إيمانه وأعلن به الاذرية من بني إسرائيل دون غيرهم فانهم أخفوه ولم يظهروه * (على خوف) * حال من ذرية و * (على) * بمعنى مع كما قيل في قوله تاعلى: * (وآتي المال على حبه) * والتنوين للتعظيم أي كائنين مع خوف عظيم * (من فرعون وملائهم) * الضمير لفرعون، والجمع عند غير واحد على ما هو المعتاد في ضمائر العظماء. ورد بأن الوارد في كلام العرب الجمع في ضمير المتكلم كنحن وضمير المخاطب كما في قوله تعالى: * (رب ارجعون) * (المؤمنون: 99) وقوله: ألا فارحموني يا اله محمد ولم ينقل في ضمير الغائب كما نقل عن الرضى، وأجيب بأن الثعالبي. والفارسي نقلا في الغائب أيضا والمثبت مقدم على النافي، وبأنه لا يناسب تعظيم فرعون فإن كان على زعمه وزعم قومه فإنما يحسن في كلام ذكر أنه محكى عنهم وليس فليس. ويجاب بأن المراد من التعظيم تنزيله منزلة المتعدد، وكونه لا يناسب في حيز المنع، لم لا يجوز أن يكون مناسبا لما فيه من الإشارة إلى مزيد عظم الخوف المتضمن زيادة مدح المؤمنين؟ وقيل: إن ذلك وارد على عادتهم في محاوراتهم في مجرد جمع ضمير العظماء وإن لم يقصد التعظيم أصلا فتأمله، وجوز أن يكون الجمع لأن المراد من * (فرعون) * آله كما يقال: ربيعة. ومضر. واعترض عليه بأن هذا إنما عرف في القبيلة وأبيها إذ يطلق اسم الأب عليهم وفرعون ليس من هذا القبيل، على أنه قد قيل: إن اطلاق أبي نحو القبيلة عليها لا يجوز ما لم يسمع ويتحقق جعله علما لها، ألا تراهم لا يقولون:
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»