تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٧١
تكون مصدرية؛ والتبوؤ اتخاذ المباءة أي المنزل كالتوطن اتخاذ الوطن، والجمهور على تحقيق الهمزة ومنهم من قرأ * (تبويا) * * (لقومكما بمصر بيوتا) * فجعلها ياء وهي مبدلة من الهمزة تخفيفا، والفعل على ما قيل مما يتعدى لواحد فيقال: تبوأ زيد كذا لكن إذا أدخلت اللام على الفاعل فقيل: تبوأ لزيد كذا تعدى لما كان فاعلا باللام فيتعدى لاثنين، وخرجت الآية على ذلك - فلقومكما - أحد المفعولين، وقيل: هو متعد لواحد و * (لقومكما) * متعلق بمحذوف وقع حالا من البيوت، واللام على الوجهين غير زائدة. وقال أبو علي: هو متعد بنفسه لاثنين واللام زائدة كما في * (ردف لكم) * وفعل وتفعل قد يكونان بمعنى مثل علقتها وتعلقتها، والتقدير بوئا قومكما بيوتا يسكنون فيها أو يرجعون إليها للعبادة. و * (مصر) * غير منصرف لأنه مؤنث معرفة ولو صرفته لخفته كما صرفت هندا لكان جائزا، والجار متعلق - بتبوآ - وجوز أن يكون حالا من * (بيوتا) * أو من - قومكما - أو من ضمير الفاعل في * (تبوآ) * أي مصلى، وقيل: مساجد متوجهة نحو القبلة يعني الكعبة فإن موسى عليه السلام كان يصلي إليها، وعلى التفسيرين تكون القبلة مجازا فيما فسرت به بعلاقة اللزوم أو الكلية والجزئية، والاختلاف في المراد هنا ناظر للاختلاف في أن تلك البيوت المتخذة هل للسكنى أو للصلاة فإن كان الأول فالقبلة مجاز عن المصلى وإن كان الثاني فهي مجاز عن المساجد.
واعترض القول بحمل القبلة على المساجد المتوجهة إلى الكعبة بأن المنصوص عليه في الحديث الصحيح أن اليهود تستقبل الصخرة والنصارى مطلع الشمس ولم يشتهر أن موسى عليه السلام كان يستقبل الكعبة في صلاته فالقول به غريب، وأغرب منه ما قاله العلائي: من أن الأنبياء عليهم السلام كانت قبلتهم كلهم الكعبة، قيل: وجعل البيوت مصلى ينافيه ما في الحديث " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " من أن الأمم السالفة كانوا لا يصلون إلا في كنائسهم، وأجيب عن هذا بأن محله إذا لم يضطروا فإذا اضطروا جازت لهم الصلاة في بيوتهم كما رخص لنا صلاة الخوف، فإن فرعون لعنه الله تعالى خرب مساجدهم ومنعهم من الصلاة فأوحى إليهم أن صلوا في بيوتكم كما روي عن ابن عباس. وابن جبير، وقد يقال: إنه لا منافاة أصلا بناء على أن المراد تعيين البيوت للصلاة وعدم صلاحة الصلاة في غيرها فيكون حكمها إذ ذاك حكم الكنائس اليوم وما هو من الخصائص صحة الصلاة في أي مكان من الأرض وعدم تعين موضع منها لذلك فلا حاجة إلى ما يقال: من أن اعتبار جعل الأرض كلها مسجدا خصوصية بالنظر إلى ما استقرت عليه شريعة موسى عليه السلام من تعين الصلاة في الكنائس وعدم جوازها في أي مكان أراده المصلى من الأرض، وما تقدم من استقبال من تعين الصلاة في الكنائس وعدم جوازها في أي مكان أراده المصلي من الأرض، وما تقدم من استقبال اليهود الصخرة فالمشهور أنه كان في بيت المقدس وأما قبل بعد نزول التوراة فكانوا يستقبلون التابوت وكان يوضع في قبة موسى عليه السلام، على أنه قد قيل: إن الاستقبال في بيت المقدس كان للتابوت أيضا وكانوا يضعونه على الصخرة فيكون استقباله استقبالها، وأما استقبالهم في مصر فيحتمل أنه كان للكعبة كما روي عن الحسن وما في الحديث محمول على آخر أحوالهم، ويحتمل أنه كان للصخرة حسبما هو اليوم ويحتمل غير ذلك والله تعالى أعلم بحقيقة الحال، وقيل: معنى * (قبلة) * متقابلة ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أي اجعلوا بيويتكم يقابل بعضها بعضا * (وأقيموا الصلاة) * فيها، قيل: أمروا بذلك في أول أمرهم لئلا يظهر عليهم الكفرة فيؤذونهم ويفتنونهم
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»