تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٦٥
هذا التجويز فلا ينبغي حمل النظم الجليل على ذلك، وفي إرشاد العقل السليم أن تجويز أن يكون الكل مقول القول مما لا يساعده النظم الكريم أصلا، أما أولا فون ما قالوا هو الحكم بأنه سحر من غير أن يكون فيه دلالة على ما تعسف فيه من المعنى بوجه من الوجوه، فصرف جوابه عليه السلام عن صريح ما خاطبوه به إلى ما لا يفهم منه مما يجب تنزيه التنزيل عن أمثاله؛ وكون ذلك اعراضا عن رد الإنكار السابق إلى رد ما هو أبلغ منه في الإنكار لا أراه يحسن الالتفات هنا إلى قبول ذلك التجويز في كلام الله تعالى العزيز.
وأما ثانيا فلأن التعرض لعدم افلاح السحرة على الإطلاق من وظائف من يتمسك بالحق المبين دون الكفرة المتشبثين بأذيال بعض منهم في معارضته عليه السلام ولو كان ذلك من كلامهم لناسب تخصيص عدم الإفلاح بمن زعموه ساحرا بناء على غلبة من يأتون به من السحرة، والاعتذار بأن التشبث بأذيال بعض السحرة لا ينافي التعرض لعدم إفلاحهم على الإطلاق لجواز أن يكون اعتقادهم عدم الإفلاح مطلقا وتشبثهم بعد بما تشبثوا به من باب تلقي الباطل بالباطل لا أراه إلا من باب تشبث الغريق بالحشيش، وأما ثالثا [بم فلأن قوله عز وجل:
* (قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه ءاباءنا وتكون لكما الكبريآء فى الارض وما نحن لكما بمؤمنين) *.
* (قالوا أجئتنا) * الخ مسوق لبيان أنه عليه السلام ألقمهم الحجر فانقطعوا عن الاتيان بكلام له تعلق بكلامه عليه السلام فضلا عن الجواب الصحيح واضطروا إلى التشبث بذيل التقليد الدي هو دأب كل عاجز محجوج وديدن كل معالج لجوج على أنه استئناف وقع جوابا عما قبله من كلامه صلى الله عليه وسلم على طريقة * (قال موسى) * كما أشير إليه كأنه قيل: فماذا قالوا لموسى عليه السلام حين قال لهم ما قال؟ فقيل: قالوا عاجزين عن المحاجة: أجئتنا * (لتلفتنا) * أي لتصرفنا، وبين اللفت والفتل مناسبة معنوية واشتقاقية وقد نص غير واحد على أنهما أخوان وليس أحدهما مقلوبا من الآخر كما قال الأزهري * (عما وجدنا عليه ءاباءنا) * أي من عبادة غير الله تعالى، ولا ريب في أن ذلك إنما يتسنى بكون ما ذكر من تتمة كلامه عليه السلام على الوجه الذي شرح إذ على تقدير كونه محكيا من قبلهم يكون جوابه عليه السلام خاليا عن التبكيت الملجىء لهم إلى العدول عن سنن المحاجة، ولا ريب في أنه لا علاقة بين قولهم: * (أجئتنا) * الخ وبين إنكاره عليه السلام لما حكي عنهم مصححة لكونه جوابا عنه، وهذا ظاهر إلا على من حجب عن إدراك البديهيات، وبالجملة الحق أن لا وجه لذلك التجويز بوجه والانتصار له من الفضول كما لا يخفى * (وتكون لكما الكبرياء) * أي الملك كما ريو عن مجاهد فهو من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، وعن الزجاج أنه إنما سمي الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا، وقيل: أي العظمة والتكبر على الناس باستتباعهم. وقرأ حماد بن يحيى عن أبي بكر. وزيد عن يعقوب * (يكون) * بالياء التحتانية لأن التأنيث غير حقيقي مع وجود الفاصل.
* (في الأرض) * أي أرض مصر، وقيل: أريد الجنس، والجار متعلق - بتكون - أو بالكبرياء أو بالاستقرار في - لكما - لوقوعه خبرا أو بمحذوف وقع حالا من * (الكبرياء) * أو من الضمير في * (لكما) * لتحمله إياه * (وما نحن لكما بمؤمنين) * أي بمصدقين فيما جئتما به أصلا، وفيه تأكيد لما يفهم من الإنكار السابق، والمراد بضمير المخاطبين موسى وهارون عليهما السلام، وإنما لم يفردوا موسى عليه السلام بالخطاب هنا كما أفردوه به فيما تقدم لأنه المشافه لهم بالتوبيخ والإنكار تعظيما لأمر ما هو أحد سبى الأعراض معنى ومبالغة في
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»