تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٦٧
القصر إنما يكون إذا كان التعريف للجنس. نعم إذا لم يرد بالنكرة المذكورة أولا معين ثم عرفت لا ينافي التعريف الجنسية لأن النكرة تساوي تعريف الجنس فحينئذ لا ينافي تعريف العهد القصروان كان كلامهم يخالفه ظاهرا فليحرر انتهى. وأقول: دعوى الفراء العهد هنا مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، ولعله أراد الجنس وأن عبر بالعهد بناء على ما ذكره الجلال السيوطي في همع الهوامع نقلا عن ابن عصفور أنه قال: لا يبعد عندي أن يسمى الألف واللام اللتان لتعريف الجنس عهديتين لأن الأجناس عند العقلاء معلومة مذ فهموها والعهد تقدم المعرفة. وادعى أبو الحجاج يوسف بن معزوز أن أل لا تكون إلا عهدية وتأوله بنحو ما ذكر إلا أن ظاهر التعليل لا يساعد ذلك. وقرأ عبد الله * (سحر) * بالتنكير، وأبى * (ما أتيتم به سحر) * والكلام على ذلك مفيد للقصر أيضا لكن بواسطة التعريض لوقوعه في مقابلة قولهم: * (إن هذا لسحر مبين) * وجوز في * (ما) * في جميع هذا القراآت أن تكون استفهامية و * (السحر) * خبر مبتدأ محذوف. وقرأ أبو عمرو. وأبو جعفر * (آلسحر) * بقطع الألف ومدها على الاستفهام - فما - استفهامية مرفوعة على الابتداء و * (جئتم به) * خبرها و * (السحر) * خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف، أي شيء جسيم جئتم به أهو السحر أو السحر هو، وقد يجعل السحر بدلا من * (ما) * كما تقول ما عندك أدينار أم درهم، وقد تجعل * (ما) * نصبا بفعل محذوف يقدر بعدها أي أي شيء أتيتم به و * (جئتم به) * مفسر له وفي * (السحر) * الوجهان الأولان.
وجوز أن تكون موصولة مبتدأ والجملة الاسمية أي أهو السحر أو السحر هو خبره، وفيه الأخبار بالجملة الإنشائية، ولا يجوز أن تكون على هذا التقدير منصوبة بفعل محذوف يفسره المذكور لأن ما لا يعمل لا يفسر عاملا.
* (إن الله سيبطله) * أي سيمحقه بالكلية بما يظهره على يدي من المعجزة فلا يبقى له أثر أصلا أو سيظهر بطلانه وفساده للناس، والسين للتأكيد * (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) * أي جنسهم على الإطلاق فيدخل فيه السحرة دخولا أوليا، ويجوز أن يراد بالمفسدين المخاطبون فيكون من وضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بالافساد والاشعار بعلة الحكم، والجملة تذييل لتعليل ما قبلها وتأكيده، والمراد بعدم إصلاح ذلك عدم إثباته أو عدم تقويته بالتأييد الإلهي لا عدم جعل الفاسد صالحا لظهور أن ذلك مما لا يكون أي أنه سبحانه لا يثبت عمل المفسدين ولا يديمه بل يزيله ويمحقه أو لا يقويه ولا يؤيده بل يظهر بطلانه ويجعله معلوما.
واستدل بالآية على أن السحر إفساد وتمويه لا حقيقة له. وأنت تعلم أن في اطلاق القول بأن السحر لا حقيقة له بحثا، والحق أن منه ما له حقيقة ومنه ما هو تخيل باطل ويسمى شعبذة وشعوذة.
* (ويحق الله الحق بكلم‍اته ولو كره المجرمون) * * (ويحق الله الحق) * أي يثبته ويقويه وهو عطف على قوله سبحانه: * (سيبطله) * وإظهار الاسم الجليل في المقامين لإلقاء الروعة وتربية المهابة * (بكلماته) * أي بأوامره وقضاياه، وعن الحسن أي بوعده النصر لمن جاء به وهو سبحانه لا يخلف ذلك، وعن الجبائي أي بما ينزله مبينا لمعاني الآيات التي أتى بها نبيه عليه السلام. وقرىء * (بكلمته) * وفسرت بالأمر واحد الأوامر حسبما فسرت الكلمات بالأوامر وأريد منها الجنس فيتطابق القراءتان، وقيل: يحتمل أن يراد بها قول كن وأن يراد بها الأمر واحد الأمور ويراد بالكلمات الأمور والشؤون * (ولو كره المجرمون) * ذلك، والمراد بهم كل من اتصف بالإجرام من السحرة وغيرهما.
* (فمآ ءامن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الارض وإنه لمن المسرفين) * * (فما آمن لموسى) * عطف على مقدر فصل في موضع آخر أي فألقى
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»