تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٥٥
للتفرقة بين الظرف المجرور والظرف الذي هو سبب يتوقف عليه في الجملة وإسناد الإبصار إلى النهار مجازي كالذي في قول جرير:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى * ونمت وما ليل المطي بنائم وقولهم: - نهاره صائم - وغير ذلك مما لا يحصي كثرة. وإلى هذا ذهب ابن عطية. وجماعة، وقيل: إن * (مبصرا) * للنسب كلابن وتامر أي ذا إبصار * (إن في ذلك) * أي في الجعل المذكور أو في الليل والنهار، وما في اسم الإشارة من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه وعلو رتبته * (لآي‍ات) * أي حججا ودلالات على توحيد الله تعالى كثيرة أو آيات أخر غير ما ذكر * (لقوم يسمعون) * أي الحجج مطلقا سماع تدبر واعتبار أو يسمعون هذه الآيات المتلوة ونظائرها المنبهة على تلك الآيات التكوينية الآمرة بالتأمل فيها ذلك السماع فيعملون بمقتضاها، وتخصيص هؤلاء بالذكر مع أن الآيات منصوبة لمصلحة الكل لما أنهم المنتفعون بها.
* (قالوا اتخذ الله ولدا سبح‍انه هو الغني له ما فى السم‍اوات وما فى الارض إن عندكم من سلطان به‍اذآ أتقولون على الله ما لا تعلمون) * * (قالوا اتخذ الله ولدا) * شروع في ذكر ضرب آخر من أباطيل المشركين وبيان بطلانه، والمراد بهؤلاء المشركين على ما قيل: كفار قريش والعرب فإنهم قالوا: الملائكة بنات الله تعالى، واليهود والنصارى القائلون: عزير وعيسى عليهما السلام ابناه عز وجل والاتخاذ صريح في التبني، وظاهر الآية يدل على أن ذلك قول كل المشركين وإذا ثبت أن منهم من يقول بالولادة والتوليد حقيقة كان ما هنا قول البعض ولينظر هل يجري فيه احتمال إسناد ما للبعض للكل لتحقق شرطه أم لا يجري لفقد ذلك والولد يستعمل مفردا وجمعا.
وفي " القاموس " الولد محركة وبالضم والكسر والفتح واحد وجمع وقد يجمع على أولاد وولدة وإلدة بالكسر فيهما وولد الضم وهو يشمل الذكر والأنثى * (سبحانه) * تنزيه وتقديس له تعالى عما نسبوا إليه على ما هو الأصل في معنى سبحانه وقد يستعمل للتعجب مجازا ويصح إرادته هنا، والمراد التعجب من كلمتهم الحمقى، وجمع بعضهم بين التنزيه والتعجب ولعله مبني على أن التعجب معنى كنائي وأنه يصح إرادة المعنى الحقيقي في الكناية وهو أحد قولين في المسألة، وقيل: إنه لا يلزم استفادة معنى التعجب منه باستعمال اللفظ فيه بل هو من المعاني الثواني، وقوله سبحانه: * (هو الغني) * أي عن كل شيء في كل شيء علة لتنزهه تعالى وتقدس عن ذلك وإيذان بأن اتخاذ الولد مسبب عن الحاجة وهي التقوى أو بقاء النوع مثلا، وقوله تعالى:
* (له ما في السموات وما في الأرض) * أي من العقلاء وغيرهم تقرير لمعنى الغنى لأن المالك لجميع الكائنات هو الغني وما عداه فقير، وقيل: هو علة أخرى للتنزه عن التبني لأنه ينافي المالكية، وقوله جل شأنه: * (إن عندكم من سلطان) * أي حجة * (بهذا) * أي بما ذكر من القول الباطل توضيح لبطلانه بتحقيق سلامة ما أقيم من البرهان الساطع عن المعارض والمنافي - فإن - نافية و * (من) * زائدة لتأكيد النفي ومجرورها مبتدأ والظرف المقدم خبره أو مرتفع على أنه فاعل له لاعتماده على النفي وب * (بهذا) * متعلق إما - بسلطان - لأنه بمعنى الحجة كما سمعت وإما بمحذوف وقع صفة له، وقيل: وقع حالا من الضمير المستتر في الظرف الراجع إليه وإما بما في * (عندكم) * من معنى الاستقرار، ويتعين على هذا كون * (سلطان) * فاعلا للظرف لئلا يلزم الفصل بين العامل المعنوي ومتعلقه بأجنبي، والالتفات إلى الخطاب لمزيد المبالغة في الإلزام والإفحام وتأكيد ما في قوله تعالى:
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»