تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٢٤
بيني وبينكم وهو الذي أنزل إليكم الكتاب) * المعجز الجامع * (مفصلا) * (الأنعام: 114) فيه الحق والباطل بحث لا يبقى معه مقال لقائل فطلب ما سواه مما لا يليق بعاقل ولا يميل إليه إلا جاهل * (وتمت كلمة ربك) * أي تم قضاؤه في الأزل بما قضى وقدر * (صدقا) * مطابقا لما يقع * (وعدلا) * مناسبا للاستعداد، وقيل: صدقا فيما وعد وعدلا فيما أوعد * (لا مبدل لكلماته) * (الأنعام: 115) لأنها على طرز ما ثبت في علمه والانقلاب محال * (وإن تطع أكثر من في الأرض) * أي من الجهة السفلية بالركون إلى الدنيا وعالم النفس والطبيعة * (يضلوك عن سبيل الله) * لأنهم لا يدعون إلا للشهوات المبعدة عن الله تعالى * (إن يتبعون) * أي ما يتبعون لكونهم محجوبين في مقام النفس بالأوهام والخيالات * (إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) * (الأنعام: 116) بقياس الغائب على الشاهد * (وذروا ظاهر الإثم) * من الأقوال والأفعال الظاهرة على الجوارح * (وباطنه) * (الأنعام: 120) من العقائد الفاسدة والعزائم الباطلة. وقال سهل: ظاهر الإثم المعاصي كيف كانت وباطنه حبها، وقال الشبلي: ظاهر الإثم الغفلة وباطنه نسيان مطالعة السوابق، وقال بعضهم: ظاهر الإثم طلب الدنيا وباطنه طلب الجنة لأن الأمرين يشغلان عن الحق وكل ما يشغل عنه سبحانه فهو إثم، وقيل: ظاهر الإثم حظوظ النفس وباطنه حظوظ القلب، وقيل: ظاهر الإثم حب الدنيا وباطنه حب الجاه، وقيل: ظاهر الإثم رؤية الأعمال وباطنه سكون القلب إلى الأحوال. * (وإن الشياطين) * وهم المحجوبون بالظاهر عن الباطن * (ليوحون إلى أوليائهم) * أي من يواليهم من المنكرين * (ليجادلوكم) * بما يتلقونه من الشبه * (وإن أطعتموهم) * وتركتم ما أنتم عليه من التوحيد * (إنكم لمشركون) * (الأنعام: 121) مثلهم * (أو من كان ميتا) * بالجهل وهوى النفس أو الاحتجاب بصفاتها * (فأحييناه) * بالعلم ومحبة الحق أو كشف حجب صفاته * (وجعلنا له نورا) * من هدايتنا وعلمنا أو نورا من صفاتنا * (أو من كان ميتا) * بالمجاهدات * (فأحييناه) * بروح المشاهدات أو ميتا بشهوات النفس * (فأحييناه) * بصفاء القلب أو ميتا برؤية الثواب فأحييناه برؤية المآب إلى الوهاب وجعلنا له نور الفراسة أو الإرشاد، وقال جعفر الصادق: المعنى أو من كان ميتا عنا فأحييناه بنا وجعلناه إماما يهدي بنور الإجابة ويرجع إليه الضلال، وقال ابن عطاء: أو من كان ميتا بحياة نفسه وموت قلبه فأحييناه بإماتة نفسه وحياة قلبه وسهلنا عليه سبل التوفيق وكحلناه بأنوار القرب فلا يرى غيرنا ولا يلتفت إلى سوانا * (كمن مثله في الظلمات) * أي ظلمات نفسه وصفاته وأفعاله * (ليس بخارج منها) * لسوء استعداده * (كذلك زين للكافرين) * المحجوبين * (ما كانوا يعملون) * (الأنعام: 122) فاحتجبوا به * (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها) * ويكون ذلك سببا لمزيد كمال العارفين حسبما تقدم في جعل الأعداء للأنبياء عليهم السلام. ويمكن أن يكون إشارة إلى ما في الأنفس أي * (وكذلك جعلنا في كل قرية) * وجود الإنسان التي هي البدن * (أكابر مجرميها) * من قوى النفس الأمارة * (ليمكروا فيها) * بإضلال القلب * (وما يمكرون إلا بأنفسهم) * (الأنعام: 123) لأن عاقبة مكرهم راجع إليهم ءافاقا وأنفسا * (وإذا جاءتهم) * على يد الرسول عليه الصلاة والسلام * (آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله) * من الرسالة إليهم * (الله أعلم حيث يجعل رسالته) * وذلك حيث خزينة الاستعداد عامرة والنفس قدسية * (سيصيب الذين أجرموا) * بالاحتجاب عن الحق * (صغار عند الله) * أي ذل بذهاب قدرهم حين خراب أبدانهم * (وعذاب شديد) * (الأنعام: 124) بحرمانهم الملائم ووصول المنافي إليهم في المعاد الجسماني * (فمن يرد الله أن يهديه) * إليه ويعرفه به * (يشرح صدره للإسلام) * بأن يقذف فيه نورا من أنواره فيعرفه بذلك * (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»