من قوله تعالى: * (من يضلل الله) * (الأعراف: 186) أو من قولك: أضللته إذا وجدته ضالا كأحمدته إذا وجدته محمودا، وأن تكون إستفهامية معلقا عنها الفعل أيضا، وأن يكون فاعل * (يضل) * ضمير الله تعالى، و (من) منصوبة بما ذكر من الفعل المقدر أن يعلم من يضله الله تعالى، قيل: وكان الظاهر أن يقال: بالمهديين. وكأنه وجه العدول عنه الإشارة إلى أن الهداية صفة سابقة ثابتة لهم في أنفسهم كأنها غير محتاجة إلى جعل لقوله عليه الصلاة والسلام " كل مولود يولد على الفطرة " بخلاف الضلال فإنه أمر طار أوجده فيهم فتأمل. والتفضيل في العلم إما بالنظر إلى المعلومات فإنها غير متناهية أو إلى وجوه العلم التي يمكن تعلقه بها، وإما باعتبار الكيفية وهي لزوم العلم له سبحانه أو كونه بالذات لا بالغير.
* (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين) *.
* (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) * أمر مترتب على النهي عن اتباع المضلين الذين من جملة إضلالهم تحليل الحرام وتحريم الحلال، فقد ذكر الواحدي أن المشركين قالوا: يا محمد أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قبلها فقال عليه الصلاة والسلام: الله تعالى قتلها قالوا: فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال وما قتل الصقر والكلب حلال وما قتله الله تعالى حرام فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال عكرمة: إن المجوس من أهل فارس لما أنزل الله تعالى تحريم الميتة كتبوا إلى مشركي قريش وكانوا أولياءهم في الجاهلية وكانت بينهم مكاتبة أن محمدا عليه الصلاة والسلام وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله تعالى ثم يزعمون أن ما ذبحوا فهو حلال وما ذبح الله تعالى فهو حرام فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء فأنزل سبحانه لآية وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أنأكل مما قتلنا ولا نأكل مما يقتل الله تعالى فأنزل الله تعالى الآية، والمعنى على ما ذهب إليه غير واحد: كلوا مما ذكر اسم الله تعالى على ذبحه لا مما ذكر عليه اسم غيره خاصة أو مع اسمه عز اسمه أو مات حتف انفه، والحصر - كما قيل - مستفاد من عدم اتباع المضلين ومن الشرط ولولا ذلك لكان هذا الكلام متعرضا لما لا يحتاج إليه ساكتا عما يحتاج إليه، وادعى بعضهم أن لا حصر واستفادة عدم حل ما مات حتف أنفه من صريح النظم أعنى قوله تعالى: * (ولا تأكلوا مما) * الخ وهو مخالف لما عليه الجمهور.
* (إن كنتم بآياته) * التي من جملتها الآيات الواردة في هذا الشأن * (مؤمنين) * فإن الإيمان بها يقتضي استباحة ما أحل الله تعالى واجتناب ما حرم، وقيل: المعنى إن صرتم عالمين حقائق الأمور التي هذا الأمر من جملتها بسبب إيمانكم، وقيل: المراد إن كنتم متصفين بالإيمان وعلى يقين منه فإن التصديق يختلف ظنا وتقليدا وتحقيقا، والجار والمجرور متعلق بما بعده وقدم رعاية للفواصل؛ وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه.
* (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين) *.
* (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه) * إنكار لأن يكون لهم شيء يدعوهم إلى الاجتناب عن أكل ما ذكر اسم الله تعالى عليه، فما للاستفهام الإنكاري وليست نافية كما قيل وهي مبتدأ و * (لكم) * الخبر وأن تأكلوا بتقدير حرف الجر أي في أن تأكلوا، والخلاف في محل المنسبك بعد الحذف مشهور. وجوز أن يكون ذلك حالا، ورد بأن المصدر المؤول من أن والفعل لا يقع حالا كما صرح به سيبويه لأنه معرفة ولأنه مصدر بعلامة حرف الاستقبال المنافية للحالية إلا أن يؤول بنكرة أو يقدر مضاف أي