تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٢٣
الاستطاعة، وفيه تنبيه على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود، والامتناع في ذلك عادي. وعن الزجاج معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق وتباعدا في الهرب منه، وأصل * (يصعد) * يتصعد وقد قرىء به فادغمت التاء في الصاد. وقرأ ابن كثير * (يصعد) * وأبو بكر عن عاصم * (يصاعد) * وأصله أيضا يتصاعد ففعل به ما قتدم.
* (كذالك) * إشارة إلى الجعل المذكور بعده على ما مر تحقيقه أو إشارة إلى الجعل السابق أي مثل ذلك الجعل أي جعل الصدر حرجا على الوجه المذكور * (يجعل الله الرجس) * أي العذاب أو الخذلان. وأخرج ابن المنذر وغيره عن مجاهد أنه قال: الرجس ما لا خير فيه. وقال الراغب: " الرجس الشيء القذر "، وقال الزجاج: هو اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة. وأصله - على ما قيل - من الارتجاس وهو الاضطراب * (على الذين لا يؤمنون) * أي عليهم. ووضع الظاهر موضع المضمر للتعليل.
* (وه‍اذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآي‍ات لقوم يذكرون) *.
* (وهذاا) * أي ما جاء به القرآن كما روي عن ابن مسعود أو الإسلام كما روي عن ابن عباس أو ما سبق من التوفيق والخذلان كما قيل. * (صراط ربك) * أي طريقه الذي ارتضاه أو عادته وطريقته التي اقتضتها حكمته. ولا يخفى ما في التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطب من اللطف * (مستقيما) * لا اعوجاج فيه ولا زيغ أو عادلا مطردا وهو إما حال مؤكدة لصاحبها وعاملها محذوف وجوبا مثل هذا أبوك عطوفا أو مؤسسة والعامل فيها معنى الإشارة أو ها التي للتنبيه * (قد فصلنا الآيات) * بيناها مفصلة * (لقوم يذكرون) * أي يتذكرون ما في تضاعيفها فيعلمون أن كل الحوادث بقضائه سبحانه وقدره وأنه جل شأنه حكيم عادل في جميع أفعاله، وتخصيص هؤلاء القوم بالذكر لأنهم المنتفعون بذلك التفصيل.
* (لهم دار السل‍ام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) *.
* (لهم) * أي لهؤلاء القوم * (دار السلام) * أي الجنة كما قال قتادة، والسلام هو الله تعالى كما قال الحسن. وأبن زيد والسدي. وإضافة الدار إليه سبحانه للتشريف. وقال الزجاج والجبائي: * (السلام) * بمعنى السلامة أي دار السلامة من الآفات والبلايا وسائر المكاره التي يلقاها أهل النار. وقيل: هو بمعنى التسليم أي دار تحيتهم فيها سلام * (عند ربهم) * أي في ضمانه وتكفله التفضلي أو ذخيرة لهم عنده لا يعلم كنه ذلك غيره. والجملة مستأنفة، وقيل: صفة لقوم * (وهو وليهم) * أي محبهم أو ناصرهم * (بما كانوا يعملون) * أي بسبب أعمالهم الصالحة أو متوليهم متلبسا بجزائها بأن يتولى إيصال الثواب إليهم.
هذا ومن باب الإشارة في الآيات: * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) * (الأنعام: 112) لتفاوت مراتب أرواحهم في الصفاء والكدورة والنور والظلمة والقرب والبعد. ومن هنا قيل: والجاهلون لأهل العلم أعداء. وكلما اشتد التفاوت اشتدت العداوة وزاد الإيذاء الناشيء منها. ولهذا ورد في بعض الآثار " ما أوذي نبي مثل ما أوذيت ". وتسبب هذه العداوة مزيد التوجه إلى الحق جل شأنه والإعراض عن الملاذ والحرص على الفضيلة التي يقهر بها العدو والاحتراز عما يوشك أن يكون سببا للطعن إلى غير ذلك * (ولتصغى) * أي تميل * (إليه أفئدة اللذين لا يؤمنون) * وهم المحجوبون لوجود المناسبة * (وليرضوه) * بمحبتهم إياه * (وليقترفوا ما هم مقترفون) * (الأنعام: 113) من اسم التعاضد والتظاهر * (أفغير الله أبتغي حكما
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»