تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٢٢
كمل استعداده، ونص بعضهم على أنه تابع للاستعداد الذاتي وهو لا يستلزم الايجاب الذي يقوله الفلاسفة لأنه سبحانه إن شاء أعطى ذلك وإن شاء أمسك وإن استعد المحل، وما في " المواقف " من أنه لا يشترط في الإرسال الاستعداد الذاتي بل الله تعالى يختص برحمته من يشاء محمول على الاستعداد الذاتي الموجب، فقد جرت عادة الله تعالى أن يبعث من كل قوم أشرفهم وأطهرهم جبلة، وتمام البحث في موضعه. وقرأ أكثر السبعة * (رسالاته) * بالجمع، وعن بعضهم أنه يسن الوقف على * (رسل الله) * وأنه يستجاب الدعاء بين الآيتين ولم أر في ذلك ما يعول عليه.
* (سيصيب الذين أجرموا) * استئناف آخر ناع عليهم ما سيلقونه من فنون الشر بعدما نعى عليهم حرمانهم مما أملوه، والسين للتأكيد، ووضع الموصول موضع الضمير لمزيد التشنيع، وقيل: إشعارا بعلية مضمون الصلة أي يصيبهم ألبتة مكان ما تمنوه وعلقوا به أطماعهم الفارغة من عز النبوة وشرف الرسالة * (صغار) * أي ذل عظيم هوان بعد كبرهم * (عند الله) * يوم القيامة. وقيل: من عند الله وعليه أكثر المفسرين كما قال الفراء، واعترضه بأنه لا يجوز في العربية أن تقول جئت عند زيد وأنت تريد من عند زيد، وقيل: المراد أن ذلك في ضمانه سبحانه أو ذخيرة لهم عنده وهو جار مجرى التهكم كما لا يخفى * (وعذاب شديد) * في الآخرة أو في الدنيا * (بما كانوا يمكرون) * أي بسبب مكرهم المستمر أو بمقابلته، وحيث كان هذا من أعظم مواد إجرامهم صرح بسببه.
* (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسل‍ام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد فى السمآء كذالك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) *.
* (فمن يرد الله أن يهديه) * أي يعرفه طريق الحق ويوفقه للإيمان، وقالت المعتزلة؛ المراد يهديه إلى الثواب أو إلى الجنة أو يثيبه على الهدى أو يزيده ذلك * (يشرح صدره للإسلام) * فيتسع له وينفسح وهو مجاز أو كناية عن جعل النفس مهيأة لحلول الحق فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم حين قال له: كيف الشرح يا رسول الله؟ فقال: نور يقذف في الصدر فينشرح له وينفسح فقيل: هل لذلك من آية يعرف بها يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقاء الموت ".
* (ومن يرد أن يضله) * أي يخلق فيه الضلالة (لسوء اختياره)، وقيل: المراد يضله عن الثواب أو عن الجنة أو عن زيادة الإيمان أو يخذله ويخلي بينه وبين ما يريده * (يجعل صدره ضيقا حرجا) * بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يكاد (يكون فيه للخير منفذ) وقرأ ابن كثير * (ضيقا) * بالتخفيف، ونافع وأبو بكر عن عاصم * (حرجا) * بكسر الراء أي شديد الضيق والباقون بفتحها وصفا بالمصدر للمبالغة " وأصل معنى الحرج - كما قال الراغب - مجتمع الشي (وتصور منه ضيق ما بينهما)، ومنه قيل: للضيق حرج "، وقال بعض المحققين: أصل معناه شدة الضيق فإن الحرجة غيضة أشجارها ملتفة بحيث يصعب دخولها. وأخرج ابن حميد وابن جرير وغيرهما عن أبي الصلت الثقفي أن عمر رضي الله تعالى عنه قرأ * (حرجا) * بفتح الراء وقرأ بعض من عنده من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم * (حرجا) * بكسرها فقال عمر: أبغوني رجلا من كنانة واجعلوه راعيا وليكن مدلجيا فأتوه به فقال له عمر: يا فتى ما الحرجة فيكم؟ قال: الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء فقال عمر رضي الله تعالى عنه: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير.
* (كأنما يصعد في السماء) * استئناف أو حال من ضمير الوصف أو وصف آخر، والمراد المبالغة في ضيق صدره حيث شبه بمن يزاول ما لا (يكاد) يقدر عليه فإن صعود السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»