تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٢٨
بعض في العذاب كما كانوا كذلك في الدنيا عند اقتراف ما يؤدي إليه من القبائح كما قيل، وروي مثله عن قتادة * (بما كانوا يكسبون أي بسبب ما كانوا مستمرين على كسبه من الكفر والمعاصي.
* (ي‍امعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آي‍اتي وينذرونكم لقآء يومكم ه‍اذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحيواة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا ك‍افرين) *.
* (يا معشر الجن والإنس) * شروع في حكاية ما سيكون من توبيخ المعشرين وتقريعهم بتفريطهم فيما يتعلق بخاصة أنفسهم * (ألم يأتكم) * في الدنيا * (رسل) * من عند الله عز وجل كائنة * (منكم) * أي من جملتكم لكن لا على أن يأتي كل رسول كل واحدة من الأمم ولا على أن أولئك الرسل عليهم السلام من جنس الفريقين معا بل على أن يأتي كل أمة رسول خاص بها وعلى أن تكون من الإنس خاصة إذ المشهور أنه ليس من الجن رسل وأنبياء، ونظيره في هذا قوله تعالى: * (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) * (الرحمن؛ 22) فإنهما إنما يخرجان من الملح فقط كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى. والفراء قدر هنا مضافا لذلك أي من أحدكم، وقال غير واحد: المراد بالرسل ما يعم رسل الرسل، وقد ثبت أن الجن استمعوا القرآن وأنذروا به قومهم فقد قال سبحانه: * (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن) * إلى قوله عز وجل: * (ولوا إلى قومهم منذرين) * (الأحقاف: 29). وعن الضحاك وغيره أن الله تعالى أرسل للجن رسلا منهم وصرح بعضهم أن رسولا منهم يسمى يوسف، وظاهر الآية يقتضي إرسال الرسل إلى كل من المعشرين من جنسهم وادعى بعض قيام الإجماع على أنه لم يرسل إلى الجن رسول منهم وإنما أرسل إليهم من الإنس وهل كان ذلك قبل بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام أم لا؟ الذي نص عليه الكلبي الثاني قال: كان الرسل يرسلون إلى الإنس حتى بعد محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإنس والجن * (يقصون عليكم آياتي) * التي أوحيتها إليهم، والجملة صفة أخرى لرسل محققة لما هو المراد من إرسالهم من التبليغ والإنذار وقد حصل ذلك بالنسبة إلى الثقلين * (وينذرونكم) * أي يخوفونكم بما في تضاعيفها من القوارع * (لقاء يومكم ه‍اذا) * أي يوم الحشر الذي قد عاينوا فيه ما عاينوا.
* (قالوا) * استئناف بياني، والمقصود منه حكاية قولهم: كيف يقولون وكيف يعترفون * (شهدنا على أنفسنا) * أي بإتيان الرسل وقصهم وإنذارهم وبمقابلتهم إياهم بالكفر والتكذيب، وقوله سبحانه: * (وغرتهم الحياة الدنيا) * مع ما عطف عليه اعتراض لبيان ما أداهم في الدنيا إلى ارتكاب القبائح التي ارتكبوها وألجاهم في الآخرة إلى الاعتراف بالكفر واستيجاب العذاب وذم لهم بذلك وتسفيه لرأيهم فلا تكرار في الشهادتين أي واغتروا في الدنيا بالحياة الدنيئة واللذات الخسيسة الفانية وأعرضوا عن النعيم المقيم الذي بشرت به الرسل عليهم السلام واجترأوا على ارتكاب ما يجرهم إلى العذاب المؤبد الذي أنذروهم إياه * (وشهدوا) * في الآخرة * (على أنفسهم أنهم كانوا) * في الدنيا كافرين) * بالآيات والنذر واضطروا إلى الاستسلام لأشد العذاب، وفي ذلك من تحسرهم وتحذير السامعين عن مثل صنيعهم ما لا مزيد عليه.
* (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غ‍افلون) *.
* (ذلك) * إشارة إلى إتيان الرسل أو السؤال المفهوم من * (ألم يأتكم) * (الأنعام: 130) أو ما قص من أمرهم أعني شهادتهم على أنفسهم بالكفر واستيجاب العذاب، وهو إما مرفوع على أنه خبر مبتدأ مقدر أي الأمر ذلك أو مبتدأ خبره مقدر أو خبره قوله سبحانه: * (أن لم يكن ربك مهلك القرى) * بحذف اللام على أن (أن) مصدرية أو مخففة من أن وضمير الشأن الذي هو اسمها، وإما منصوب على أنه مفعول به لفعل مقدر كخذ وفعلنا ونحو ذلك، وجوز أن
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»