تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٢٥
حرجا) * لا يدخل فيه شيء من أنوار شمس العرفان * (كأنما يصعد في السماء) * نبوا وهربا عن قبول ذلك لأنه خلاف استعداده، وقيل: المعنى فمن يرد الله أن يهديه للتوحيد يشرح صدره لقبول نور الحق وإسلام الوجود إلى الله سبحانه بكشف حجب صفات نفسه عن وجه قلبه الذي يلي النفس فينفسح لقبول نور الحق ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا باستيلاء النفس عليه وضغطها له كما يصعد في سماء روحه مع تلك الهيآت البدنية المظلمة وذلك أمر محال، وقيل: غير ذلك * (كذلك يجعل الله الرجس) * أي رجس التلوث بنتن الطبيعة * (على الذين لا يؤمنون) * (الأنعام: 125) وهم المحجوبون عن الحق * (وهذا) * أي طريق التوحيد أو الجعل * (صراط ربك) * أي طريقه الذي ارتضاه أو عادته التي اقتضتها حكمته * (قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون) * (الأنعام: 126) المعارف والحقائق المركوزة في استعدادهم * (لهم دار السلام عند ربهم) * (الأنعام: 127) هي ساحة جلاله وحضائر قدس صفاته ومساقط وقوع أنوار جماله المنزهة عن خطر الحجاب وعلة العتاب وطريان العذاب وهو وليهم بنعت رعايتهم وكشف جماله لهم أو وليهم يحفظهم عن رؤية الغير في البين. ويجوز أن يكون المعنى لهم دار السلامة من كل خوف وآفة حيث يكون العبد فيها في ظل الذات والصفات وريف البقاء بعد الفناء؛ والكثير على أن السلام من أسمائه تعالى فما ظنك بدار تنسب إليه جل شأنه:
إذا نزلت سلمى بواد فماؤه * زلال وسلسال وأشجاره ورد نسأل الله تعالى أن يدخلنا هاتيك الدار بحرمة نبيه المختار صلى الله عليه وسلم.
* (ويوم يحشرهم جميعا ي‍امعشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أوليآؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنآ أجلنا الذىأجلت لنا قال النار مثواكم خ‍الدين فيهآ إلا ما شآء الله إن ربك حكيم عليم) *.
* (ويوم يحشرهم جميعا) * نصب على الظرفية والعامل فيه مقدر أي أذكر أو نقول أو كان ما لا يذكر لفظاعته، وجوز أن يكون مفعولا به لمقدر أيضا أي أذكر ذلك اليوم، والضمير المنصوب لمن يحشر من الثقلين، وقيل: للكفار. وقرأ حفص عن عاصم وروح عن يعقوب * (يحشر) * بالياء والباقون بنون العظمة على الإلتفات لتهويل الأمر. وقوله سبحانه: * (يا معشر الجن) * على إضمار القول، والمعشر الجماعة أمرهم واحد، وقال الطبرسي: " الجماعة التامة من القوم التي تشتمل على أصناف الطوائف ومنه العشرة لأنها تمام العقد "، والمراد بالجن أو بمعشرهم على ما قيل الشياطين، وذكر بعض الفضلاء أن الجن يقال على وجهين، أحدهما: للروحانيين المستترين عن الحواس كلها فيدخل فيهم الملائكة والشياطين، وثانيهما: للروحانيين مما عدا الملائكة، وقال آخرون: إن الروحانيين ثلاثة أخيار وهم الملائكة وأشرار وهم الشياطين وأوساط فيهم أخيار وأشرار، وأيا ما كان فالمقصود بالنداء الأشرار الذين يغوون الناس فإنهم أهل للخطاب بقوله سبحانه: * (قد استكثرتم من الإنس) * أي أكثرتم من إغوائهم وإضلالهم كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد والزجاج، فالكلام على حذف مضاف أو منهم بأن جعلتموهم أتباعكم فحشروا معكم كما يقال: استكثر الأمير من الجنود وهذا بطريق التوبيخ والتقريع. قيل: وإنما ذكر المعشر في جانب الجن دون جانب الإنس لما أن الإغواء كثيرا ما يقتضي التظاهر والتعاون، وفي المعشر نوع إيماء إليه ولا كذلك الغوى.
* (وقال أولياؤهم) * أي الذين أطاعوهم واتبعوهم * (من الإنس) * أي الذين هم من الإنس أو كائنين منهم، فمن إما لبيان الجنس أو متعلقة بمحذوف وقع حالا من أولياء * (ربنا استمتع بعضنا ببعض) * أي انتفع الإنس بالجن حيث دلوهم على الشهوات وما يتوصل به إليها
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»