تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٢٦
والجن بالإنس حيث اتخذوهم قادة ورؤساء واتبعوا أمرهم فادخلوا عليهم السرور بذلك. وعن الحسن وابن جريج والزجاج وغيرهم أن استمتاع الإنس بهم أنهم كانوا إذا سافر أحدهم وخاف الجن قال: أعوذ بسيد هذا الوادي. واستمتاعهم بالإنس اعترافهم بأنهم قادرون على إعاذتهم وإجارتهم. وعن محمد بن كعب أن المراد باستمتاع بعضهم ببعض طاعة بعضهم بعضا وموافقته له، وقال البلخي: يحتمل أن يكون الاستمتاع مقصورا على الإنس فيكون الإنس قد استمتع بعضهم ببعض الجن دون الجن.
* (وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا) * وهو يوم القيامة على ما قاله غير واحد، وعن الحسن والسدي وابن جريج أنه الموت والأول أولى، وإنما قال الأولياء ما قالوا اعترافا بما فعلوا من طاعة الشياطين واتباع الهوى وتكذيب البعث وإظهارا للندامة عليها وتحسرا على حالهم واستسلاما لربهم وإلا ففائدة الخبر ولازمها مما لا تحقق له. قيل: ولعل الإقتصار على حكاية كلام الضالين للإيذان بأن المضلين قد أفحموا بالمرة فلم يقدروا على التكلم أصلا. وقرىء * (آجالنا) * بالجمع و * (الذي) * بالتذكير والإفراد، قال أبو علي: هو جنس أو وقع الذي موقع التي.
* (قال) * استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال الله تعالى: حينئذ؟ فقيل قال: * (النار مثواكم) * أي منزلكم ومحل إقامتكم أو ذات ثوائكم على أن الثوى اسم مكان أو مصدر * (خالدين فيها) * حال من ضمير الجمع والعامل فيها (مثوى) إن كان مصدرا وقدروا عاملا أي يبوؤن خالدين إن كان مثوى اسم مكان لأنه حيئنذ لا يصلح للعمل. وقال أبو البقاء: إن العامل في الحال على هذا التقدير معنى الإضافة، وردوه بأن النسبة الإضافية لا تعمل ولا يصح أن تنصب الحال * (إلا ما شاء الله) * نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه تعالى استثنى قوما قد سبق في علمه أنهم يسلمون ويصدقون النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مبني على أن الاستثناء ليس من المحكي وأن ما بمعنى من، ولا يخفى أن استعمال ما للعقلاء قليل فيبعد ذلك كما يبعد شمول ما تقدم للمستثنى، وقيل: إن ما مصدرية وقتية على ما هو الظاهر، والمراد إلا الوقت الذين ينقلون فيه إلى الزمهرير، فقد روي أنهم يدخلون واديا (فيه) من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض فيتعاوون ويطلبون الرد إلى الجحيم، ورد بأن فيه صرف النار من معناها العلمي وهو دار العذاب إلى اللغوي، وأجيب عنه بأنه لا بأس به إذا دعت إليه ضرورة، وقيل عليه: إن المعترض لا يسلم الضرورة لإمكان غير هذا التأويل مع أن قوله سبحانه: * (مثواكم) * يقتضي ما ذهب إليه المعترض بحسب الظاهر، وقيل: إن لهم وقتا يخرجون فيه من دار العذاب، وذلك أنه روي أنهم يفتح لهم أبواب الجنة ويخرجون من النار فإذا توجهوا للدخول أغلقت في وجوههم استهزاء بهم، وإليه الإشارة بقوله تعالى: * (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون) * (المطففين: 34).
وأنت تعلم أن ظواهر الآيات صادحة بعدم تخفيف العذاب عن الكفار بعد دخولهم النار وفي إخراجهم هذا تخفيف أي تخفيف وإن كان بعده ما يشيب منه النواصي، ولعل الخبر في ذلك غير صحيح، والمشهور أن المرائين يدنون من الجنة حتى إذا استنشقوا ريحها ورأوا ما أعد الله تعالى لعباده فيها نودوا أن أصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها الخبر بتمامه وقد قدمناه ويكون ذلك قبل إدخالهم النار كما لا يخفى على من راجع الحديث. وقيل: المستثنى زمان إمهالهم قبل الدخول كأنه قيل النار مثواكم أبدا إلا ما أمهلكم، ورده أبو حيان بأنه
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»