تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١٦١
وإن إله هود هو إلهي * على الله التوكل والرجاء فقالوا لمعاوية: أحبس عنا مرثدا فلا يقدمن معنا مكة فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم دخلوا مكة يستسقون فخرج مرثد من منزل معاوية حتى أدركهم قبل أن يدعوا بشيء مما خرجوا له فلما انتهى إليهم قام يدعو الله تعالى ويقول: اللهم سؤلي وحدي فلا تدخلني في شيء مما يدعوك به وفد عاد وكان قيل رأس الوفد فدعا وقال: اللهم اسق عادا ما كنت تسقيهم وقال القوم: اللهم أعط قيلا ما سألك واجعل سؤلنا مع سؤله فأنشأ الله تعالى سحائب ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم نادى مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذه السحائب ما شئت قيل وكذلك يفعل الله تعالى بمن دعاه إذ ذاك فقال قيل: اخترت السوداء فإنها أكثرهن ماء فناداه مناد اخترت رمادا رمدا لا تبقى من آل عاد أحدا وساق الله تعالى تلك السحابة بما فيها من النقمة إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد يقال له المغيث فلما رأوها استبشروا وقالوا: هذا عارض ممطرنا فجاءتهم منها ريح عقيم، وأول من رأى ذلك امرأة منهم يقال لها مهدر ولما رأته صفقت فلما أفاقت قالوا: ما رأيت قالت: رأيت ريحا فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها فسخرها الله تعالى عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فلم تدع منهم أحدا إلا أهلكته واعتزل هود عليه السلام ومن معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلين به الجلود وتلتذ الأنفس، ثم إنه عليه السلام أتى هو ومن معه مكة فعبدوا الله تعالى فيها إلى أن ماتوا وقبره عليه السلام قيل هناك في البقعة التي بين الركن والمقام وزمزم، وفيها - كما أخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن سابط - قبور تسعة وسبعين نبيا منهم أيضا نوح وشعيب وصالح وإسماعيل عليهم السلام، وأخرج البخاري في " تاريخه ". وابن جرير وغيرهما عن علي كرم الله تعالى وجهه أن قبره عليه السلام بحضرموت في كثيب أحمر عند رأسه سدرة، وأخرج ابن عساكر عن ابن أبي العاتكة قال: قبلة مسجد دمشق قبر هود عليه السلام، وعمر كما أخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أربعمائة واثنتين وسبعين سنة والله تعالى أعلم.
ومن باب الإشارة في الآيات: على ما قاله القوم رضي الله تعالى عنهم * (إن ربكم الله الذي خلق السموات) * أي سموات الأرواح * (والأرض) * أي أرض الأبدان * (في ستة أيام) * وهي ستة آلاف سنة وإن يوما عند ربكم كألف سنة مما تعدون وهي من لدن خلق آدم عليه السلام إلى زمان النبي صلى الله عليه وسلم وهي في الحقيقة من ابتداء دور الخفاء إلى ابتداء الظهور الذي هو زمان ختم النبوة وظهور الولاية * (ثم استوى على العرش) * وهو القلب المحمدي بالتجلي التام وهو التجلي باسمه تعالى الجامع لجميع الصفات. وللصوفية عدة عروش نبهنا عليها في كتابنا - " الطراز المذهب في شرح قصيدة الباز الأشهب " -. وتمام الكلام عليها في " شمس المعارف " للإمام البوني قدس سره * (يغشي الليل) * أي ليل البدن * (النهار) * أي نهار الروح * (يطلبه) * بالتهيء والاستعداد لقبوله باعتدال مزاجه * (حثيثا) * أي سريعا * (والشمس) * أي شمس الروح * (والقمر) * أي قمر القلب * (والنجوم) * أي نجوم الحواس * (مسخرات بأمره) * (الأعراف: 54) الذي هو الشأن المذكور في قوله تعالى: * (كل يوم هو في شأن) * (الرحمان: 29) * (ادعوا ربكم) * أي اعبدوه * (تضرعا وخفية) * إشارة إلى طريق الجلوة والخلوة أو ادعوه بالجوارح والقلب أو بأداء حق العبودية ومطالب حق الربوبية * (إنه لا يحب المعتدين) * (الأعراف: 55) المتجاوزين عما أمروا به بترك الامتثال أو الذين يطلبون منه سواه * (ولا تفسدوا في الأرض) *
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»