تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١٦٤
الاتخاذ بأقداره سبحانه.
* (وتنحتون الجبال) * أي تنجرونها، والنحت معروف في كل صلب ومضارعه مكسور الحاء. وقرأ الحسن بالفتح لحرف الحلق، وفي " القاموس " عنه أنه " قرأ * (تنحاتون) * " بالإشباع كينباع، وانتصاب * (الجبال) * على المفعولية، وقوله سبحانه: * (بيوتا) * نصب على أنه حال مقدرة منها لأنها لم تكن حال النحت بيوتا كخطت الثوب جبة، والحالية - كما قال الشهاب - باعتبار أنها بمعنى مسكونة إن قيل بالاشتقاق فيها، وقيل: انتصاب * (الجبال) * بنزع الخافض أي من الجبال، ويرجحه أنه وقع في آية أخرى كذلك، ونصب * (بيوتا) * على المفعولية، وجوز أن يضمن النحت معنى الاتخاذ فانتصابهما على المفعولية. روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم اتخذوا القصور في السهول ليصيفوا فيها ونحتوا من الجبال بيوتا ليشتوا فيها، وقيل: إنهم نحتوا الجبال بيوتا لطول أعمارهم وكانت الأبنية تبلى قبل أن تبلى أعمارهم.
* (فاذكروا ءالاء الله) * أي نعمه التي أنعم بها عليكم مما ذكر أو جميع نعمه ويدخل فيها ما ذكر دخولا أوليا، وليس المراد مجرد الذكر باللسان كما علمت. * (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) * فإن حق آلائه تعالى أن تشكر ولا يغفل عنها فكيف بالكفر، والعثي الإفساد فمفسدين حال مؤكدة كما في * (ولوا مدبرين) * (الروم: 52).
* (قال الملا الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن ءامن منهم أتعلمون أن ص‍الحا مرسل من ربه قالوا إنا بمآ أرسل به مؤمنون) *.
* (قال الملأ الذين استكبروا من قومه) * أي الأشراف الذين عتوا وتكبروا، والجملة استئناف كما مر غير مرة. وقرأ ابن عامر * (وقال) * بالواو عطفا على ما قبله من قوله تعالى: * (قال يا قوم) * (الأعراف: 73) الخ، واللام في قوله سبحانه: * (للذين استضعفوا) * أي عدوا ضعفاء أذلاء للتبليغ كما في * (ألم أقل لكم) * (القلم: 28)، وقوله تعالى: * (لمن ءامن منهم) * بدل من الموصول بإعادة العامل بدل الكل من الكل كقولك مررت بزيد بأخيك، والضمير المجرور راجع إلى قومه. وجوز أن يكون بدل بعض من كل على أن الضمير للذين استضعفوا فيكون المستضعفون قسمين مؤمنين وكافرين، ولا يخفى بعده، والاستفهام في قوله جل شأنه * (أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه) * للاستهزاء لأنهم يعلمون أنهم عالمون بذلك ولذلك لم يجيبوهم على مقتضى الظاهر كما حكى سبحانه عنهم بقوله: * (قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون) * فإن الجواب الموافق لسؤالهم نعم أو نعلم أنه مرسل منه تعالى. ومن هنا قال غير واحد: إنه من الأسلوب الحكيم فكأنهم قالوا: العلم بإرساله وبما أرسل به ما لا كلام فيه ولا شبهة تدخله لوضوحه وإنارته وإنما الكلام في وجوب الإيمان به فنخبركم أنا به مؤمنون. واختار في " الانتصاف " أن ذلك " ليس إخبارا عن وجوب الإيمان به بل عن امتثال الواجب - فإنه أبلغ من ذلك فكأنهم قالوا: العلم بإرساله وبوجوب الإيمان به لا نسأل عنه وإنما الشأن في امتثال الواجب - والعمل به ونحن قد امتثلنا ".
* (قال الذين استكبروا إنا بالذىءامنتم به ك‍افرون) *.
* (قال الذين استكبروا) * استئناف كما تقدم، وأعيد الموصول مع صلته مع كفاية الضمير إيذانا بأنهم قالوا ما قالوه بطريق العتو والاستكبار * (إنا بالذي ءامنتم به ك‍افرون) * عدول عن مقتضى الظاهر أيضا وهو أنا بما أرسل به كافرون، وفائدته - كما قالوا - الرد لما جعله المؤمنون معلوما وأخذوه مسلما كأنهم قالوا: ليس ما جعلتموه معلوما مسلما من ذلك القبيل، وقال في " الانتصاف " عدلوا عن ذلك " حذرا مما في ظاهره من إثباتهم لرسالته وهم يجحدونها، وليس هذا موضع التهكم ليكون كقول فرعون * (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) * (الشعراء: 27) فإن الغرض إخبار كل واحد من المؤمنين والمكذبين عن حاله فلذا خلص الكافرون قولهم عن إشعار الإيمان بالرسالة
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»