تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١٦٥
احتياطا للكفر وغلوا في الإصرار ".
* (فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا ياص‍اح ائتنا بما تعدنآ إن كنت من المرسلين) *.
* (فعقروا الناقة) * أي نحروها. قال الأزهري: " أصل العقر عند العرب قطع عرقوب البعير ثم استعمل في النحر لأن ناحر البعير يعقره ثم ينحره "؛ وإسناده إلى الكل مع أن المباشر البعض مجاز لملابسة الكل لذلك الفعل لكونه بين أظهرهم وهم متفقون على الضلال والكفر أو لرضا الكل به أو لأمرهم كلهم به كما ينبىء عنه قوله تعالى: * (فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر) * (القمر: 29)، وقيل: إن العقر مجاز لغوي عن الرضا بالنسبة إلى غير فاعله وليس بشيء. * (وعتوا عن أمر ربهم) * أي استكبروا عن امتثاله وهو ما بلغهم صالح عليه السلام من الأمر السابق فالأمر واحد الأوامر، وجوز أن يكون واحد الأمور أي استكبروا عن شأن الله تعالى ودينه وهو بعيد. وأوجب بعضهم على الأول أن يضمن * (عتوا) * معنى التولي أي تولوا عن امتثال أمره عاتين أو معنى الإصدار أي صدر عتوهم عن أمر ربهم وبسببه لأنه تعالى لما أمرهم بقوله: * (فذروها) * (الأعراف: 73) الخ ابتلاهم فما امتثلوا فصاروا عاتين بسببه ولولا الأمر ما ترتب العقر والداعي للتأويل بتولوا أو صدر أن عتا لا يتعدى بعن فتعديته به لذلك كما في قوله تعالى: * (وما فعلته عن أمري) * (الكهف: 82) وبعضهم لا يقول بالتضمين بناء على أن عتا بمعنى استكبر كما في " القاموس " وهو يتعدى بعن فافهم.
* (وقالوا) * مخاطبين له عليه السلام بطريق التعجيز والإفحام على زعمهم الفاسد * (يا صالح ائتنا بما تعدنا) * من العذاب وأطلق للعلم به * (إن كنت من المرسلين) * فإن كونك منهم يقتضي صدق ما تقول من الوعد والوعيد.
* (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم ج‍اثمين) *.
* (فأخذتهم الرجفة) * قال الفراء والزجاج: أي الزلزلة الشديدة. وقال مجاهد والسدي: هي الصيحة، وجمع بين القولين بأنه يحتمل أنه أخذتهم الزلزلة من تحتهم والصيحة من فوقهم، وقال بعضهم: الرجفة خفقان القلب واضطرابه حتى ينقطع، وجاء في موضع آخر * (الصيحة) * (هود: 67) وفي آخر * (بالطاغية) * (الحاقة: 5) ولا منافاة بين ذلك كما زعم بعض الملاحدة فإن الصيحة العظيمة الخارقة للعادة حصل منها الرجفة لقلوبهم ولعظمها وخروجها عن الحد المعتاد تسمى الطاغية لأن الطغيان مجاوزة الحد، ومنه قوله تعالى: * (إنا لما طغا الماء حملناكم) * (الحاقة: 11) أو يقال: إن الإهلاك بذلك بسبب طغيانهم وهو معنى * (بالطاغية) * وهذا الأخذ ليس أثر ما قالوا ما قالوا بل بعد ما جرى عليهم ما جرى من مبادىء العذاب في الأيام الثلاث كما ستعلمه إن شاء الله تعالى والفاء لا تأبى ذلك.
* (فأصبحوا في دارهم جاثمين) * هامدين موتى لا حراك بهم، وأصل الجثوم البروك على الركب. وقال أبو عبيدة: الجثوم للناس والطير بمنزلة البروك للإبل فجثوم الطير هو وقوعه لاطئا بالأرض في حال سكونه بالليل، وأصبح يحتمل أن تكون تامة فجاثمين حال وأن تكون ناقصة فجاثمين خبر، والظرف على التقديرين متعلق به. وقيل: هو خبر و * (جاثمين) * حال وليس بشيء لإفضائه إلى كونه الإخبار بكونهم في دارهم مقصودا بالذات، والمراد من الدار البلد كما في قولك دار الحرب ودار الإسلام وقد جمع (في آية) أخرى (فقال: في ديارهم (هود: 67)) بإرادة منزل كل واحد الخاص به، وذكر النيسابوري أنه حيث ذكرت الرجفة وحدت الدار وحيث ذكرت الصيحة جمعت لأن الصيحة كانت من السماء كما في غالب الروايات لا من الأرض كما قيل فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة فقرن كل منهما بما هو أليق به فتدبر.
* (فتولى عنهم وقال ي‍اقوم لقد أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ولكن لا تحبون الن‍اصحين) *.
* (فتولى عنهم) * بعد أن جرى عليهم ما جرى على ما هو الظاهر مغتما متحسرا على ما فاتهم من الإيمان
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»