تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١٥٦
* (ولكني رسول من رب العالمين) * والرسالة من قبله تعالى تقتضي الاتصاف بغاية الرشد والصدق، ولم يصرح عليه السلام بنفي الكذب اكتفاء بما في حيز الاستدراك. وقيل: الكذب نوع من السفاهة فيلزم من نفيها نفيه، و * (من) * لابتداء الغاية مجازا وهي متعلقة بمحذوف وقع صفة لرسول مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية.
* (أبلغكم رس‍ال‍ات ربى وأنا لكم ناصح أمين) *.
وقوله تعالى: * (أبلغكم رسالات ربي) * على طرز ما في قصة نوح عليه السلام. وقرأ أبو عمرو * (أبلغكم) * بالتخفيف من الإفعال * (وأنا لكم ناصح أمين) * معروف بالنصح والأمانة مشهور بين الناس بذلك فما حقي أن أتهم بشيء مما ذكرتموه؛ وعلى هذا لا يقدر للوصفين متعلق، ويحتمل تقديرهما أي ناصح لكم فيما أدعوكم إليه أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه، وعلى الأول - كما قال الطيبي - فالجملة مستأنفة وقعت معترضة، وعلى الثاني حالية، وفي العدول عن الفعلية إلى الاسمية ما لا يخفى. ولعل التعبير بها هنا وبالفعلية فيما تقدم لتجدد النصح من نوح دون هود عليهما السلام.
* (أو عجبتم أن جآءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفآء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بسطة فاذكروا ءالآء الله لعلكم تفلحون) *.
* (أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم) * الكلام فيه كالكلام في سابقه. وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام من يشافههم من الكفرة بالكلمات الحمقاء بما حكى عنهم والإعراض عن مقابلتهم بمثل كلامهم كمال النصح والشفقة وهضم النفس وحسن المجادلة، وفي حكاية ذلك تعليم للعباد كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم، وفي الآية دلالة على جواز مدح الإنسان نفسه للحاجة إليه.
* (واذكروا إذ جعلكم خلفاء) * شروع في بيان ترتيب أحكام النصح والأمانة والإنذار وتفصيلها، و * (إذ) * - على ما يفهم من كلام البعض وصرح به آخرون - ظرف منصوب بآلاء المحذوف هنا بقرينة ما بعده لتضمنه معنى الفعل، واختار غير واحد تبعا للزمخشري أنه مفعول لأذكروا أي اذكروا هذا الوقت المشتمل على هذه النعم الجسام، وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه مع أنه المقصود بالذات للمبالغة في إيجاب ذكره ولأنه إذا استحضر الوقت كان هو حاضرا بتفاصيله، وهذا مبني على الاتساع في الظرف أو أنه غير لازم للظرفية على خلاف المشهور عند النحويين، والواو للعطف وما بعده قيل: معطوف على قوله تعالى: * (أعبدوا) * (الأعراف: 65) ولا يخفى بعده. وقال شيخ الإسلام: لعله معطوف على مقدر كأنه قيل: لا تعجبوا من ذلك أو تدبروا في أمركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء * (من بعد قوم نوح) * أي في مساكنهم أو في الأرض بأن جعلكم ملوكا فإن شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض فالإسناد على هذا مجاز، وفي ذكر نوح على ما قيل إشارة إلى رفع التعجب يعني هذا الذي جئت به ليس ببدع فاذكروا نوحا وإرساله إلى قومه وإلى الوعيد والتهديد أي أذكروا إهلاك قومه لتكذيبهم رسول ربهم.
* (وزادكم في الخلق) * أي الإبداع والتصوير أو في المخلوقين أي زادكم في الناس على أمثالكم * (بسطة) * قوة وزيادة جسم، قال الكلبي: كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع وقامة القصير ستين ذراعا. وأخرج ابن عساكر عن وهب أنه قال: كانت هامة الرجل منهم مثل القبة العظيمة وعينه يفرخ فيها السباع، وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر ذراعا، وعن الباقر رضي الله تعالى عنه كانوا كأنهم النخل الطوال وكان الرجل منهم يأتي الجبل فيهدم منه بيده القطعة العظيمة.
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»