والحسن وقتادة يفسران الغبور هنا بالبقاء في عذاب الله تعالى. وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة لهذا الكلام. والجملة استئناف وقع جوابا نشأ عن الاستثناء كأنه قيل: فما كان حالها؟ فقيل: كانت من الغابرين.
* (وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين) *.
* (وأمطرنا عليهم مطرا) * أي نوعا من المطر عجيبا وقد بينه قوله سبحانه: * (وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل) * (الحج "؛ 74). وفي " الخازن " أن تلك الحجارة كانت معجونة بالكبريت والنار. وظاهر الآية أنه أمطر عليهم كلهم. وجاء في بعض الآثار أنه خسف بالمقيمين منهم وأمطرت الحجارة على مسافريهم وشذاذهم حتى أن تأجرا منهم كان في الحرم فوقفت له حجر أربعين يوما حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع غليه. وفرق بين مطر وأمطر فعن أبي عبيدة أن الثلاثي في الرحمة والرباعي في العذاب ومثله عن الراغب، وفي " الصحاح " عن أناس أن مطرت السماء وأمطرت بمعنى، وفي " القاموس " (لا يقال أمطرهم الله تعالى إلا في العذاب). وظاهر كلام " الكشاف " في الأنفال (32) الترادف كما في " الصحاح " لكنه قال: (وقد كثر الإمطار في معنى العذاب) وذكر هنا أنه يقال: (مطرتهم السماء وواد ممطور ويقال: أمطرت عليهم كذا أي أرسلته (عليهم) إرسال المطر). وحاصل الفرق - كما في " الكشف " - ملاحظة معنى الإصابة في الأول والإرسال في الثاني ولهذا عدي بعلى، وذكر ابن المنير (أن مقصود الزمخشري الرد على من يقول: إن مطرت في الخير وأمطرت في الشر ويتوهم أنها تفرقة وضعية فبين أن أمطرت معناه أرسلت شيئا على نحو المطر وإن لم يكن ماء حتى لو أرسل الله تعالى من السماء أنواعا من الخير... لجاز أن يقال فيه: أمطرت السماء خيرا أي أرسلته إرسال المطر فليس للشر خصوصية في هذه الصيغة الرباعية ولكن اتفق أن السماء لم ترسل شيئا سوى المطر إلا وكان عذابا فظن أن الواقع اتفاقا مقصود في الوضع) (وليس به انتهى). ويعلم منه - كما قال الشهاب - أن كلام أبي عبيدة وأضرابه مؤول وإن رد بقوله تعالى: * (عارض ممطرنا) * (الأحقاف: 24) فإنه عنى به الرحمة. ولا يخفى أنه لو قيل: إن التفرقة الاستعمالية إنما هي بين الفعلين دون متصرفاتهما لم يتأت هذا الرد إلا أن كلامهم غير صريح في طلك، ولعل البعض صرح بما يخالفه ثم ان * (مطرا) * إما مفعول به أو مفعول مطلق.
* (فانظر كيف كان عاقبة المجرمين) * أي مآل أولئك الكافرين المقترفين لتلك الفعلة الشنعاء. وهذا خطاب لكل من يتأتى منه التأمل والنظر تعجيبا من حالهم وتحذيرا من أفعالهم. وقد مكث لوط عليه السلام فيهم - على ما في بعض الآثار - ثلاثين سنة يدعوهم إلى ما فيه صلاحهم فلم يجيبوه وكان إبراهيم عليه السلام يركب على حماره فيأتيهم وينصحهم فيأبون أن يقبلوا فكان يأتي بعد أن أيس منهم فينظر إلى سدوم ويقول سدوم أي يوم لك من الله تعالى سدوم حتى بلغ الكتاب أجله فكان ما قص الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم. وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل ذلك. ثم إن لوطا عليه السلام - كما أخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن الزهري - لما عذب قومه لحق بإبراهيم عليه السلام فلم يزل معه حتى قبضه الله تعالى إليه. وفي هذه الآيات دليل على أن اللواطة من أعظم الفواحش. وجاء في خبر أخرجه البيهقي في " الشعب " عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وصححه الحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله تعالى سبعة من خلقه فوق سبع سموات فردد لعنة على واحد منها ثلاثا ولعن بعد كل واحد لعنة فقال: ملعون ملعون ملعون من عمل عمل قول لوط " الحديث. وجاء أيضا (أربعة يصبحون في غضب الله تعالى) ويمسون في سخط الله تعالى وعد منهم من يأتي الرجل. وأخرج ابن أبي الدنيا وغيره عن