الله تعالى عنه، وروي ذلك أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وأمر صيغة الجمع على هذا ظاهر. وأخرج عبد بن حميد ومسدد في " مسنده " وابن جرير وآخرون عن ماهان قال: أتى قوم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أصبنا ذنوبا عظاما فما رد عليه الصلاة والسلام عليهم شيئا فانصرفوا فأنزل الله تعالى الآية فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقرأها عليهم. وروي عن أنس مثل ذلك، وقيل: لم تنزل في قوم بأعيانهم بل هي محمولة على إطلاقها واختاره الإمام. والمشهور الأول وسياق الآية يرجح ما روي عن ماهان.
* (فقل سلام عليكم) * أمر منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يبدأهم بالسلام في محل لا ابتداء به فيه إكراما لهم بخصوصهم كما روى عن عكرمة واختاره الجبائي، وقيل: أمره سبحانه أن يبلغهم تحيته عز شأنه وروي ذلك عن الحسن وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن المعنى إقبل عذرهم واعترافهم وبشرهم بالسلامة مما اعتذروا منه. وعليه لا يكون السلام بمعنى التحية. وهو أيضا مبني على سبب النزول عنده رضي الله تعالى عنه، واختار بعضهم أنه بهذا المعنى أيضا على تقدير أن يراد بالموصول ما روي عن عكرمة فيكون الكلام أمرا له عليه الصلاة والسلام أن يبشرهم بالسلام من كل مكروه بعد إنذار مقابليهم.
وقوله تعالى: * (كتب ربكم على نفسه الرحمة) * أي أوجبها على ذاته المقدسة تفضلا وإحسانا بالذات لا بتوسط شيء (ما) أصلا وفيه احتمال آخر تقدم تبشير لهم بسعة رحمة الله تعالى. ولم يعطف على جملة السلام مع أنه محكي بالقول أيضا قيل لأنها دعائية إنشائية، وقيل: إشارة إلى استقلال كل من مضموني الجملتين وهما السلامة من المكاره ونيل المطالب بالبشارة. وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم إظهار للطف بهم وإشعار بعلة الحكم. وتمام الكلام في الآية قد مر عن قريب.
وقوله تعالى: * (أنه من عمل منكم سوءا) * بفتح الهمزة كما قرأ بذلك نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بدل من * (الرحمة) * كما قال أبو علي الفارسي وغيره.
وقيل: إنه مفعول * (كتب) * و * (الرحمة) * مفعول له، وقيل: إنه على تقدير اللام، وجوز أبو البقاء أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي عليه سبحانه أنه الخ ودل على ذلك ما قبله. وقرأ الباقون * (إنه) * بالكسر على الاستئناف النحوي أو البياني كأنه قيل: وما هذه الرحمة؟ والضمير للشأن. و (من) موصولة أو شرطية وموضعها مبتدأ و * (منكم) * في موضع الحال من ضمير الفاعل. وقوله سبحانه: * (بجهالة) * حال أيضا على الأظهر أي من عمل ذنبا وهو جاهل أي فاعل فعل الجهلة لأن من عمل ما يؤدي إلى الضرر في العاقبة وهو عالم بذلك أو ظان فهو من أهل الجهل والسفه لا من أهل الحكمة والتدبير أو جاهل بما يتعلق به من المكروه والمضرة. وعن الحسن كل من عمل معصية فهو جاهل * (ثم تاب) * عن ذلك * (من بعده) * أي العمل أو السوء * (وأصلح) * أي في توبته بأن أتى بشروطها من التدارك والعزم على عدم العود أبدا. * (فأنه غفور رحيم) * أي فشأنه سبحانه وأمره مبالغ في المغفرة والرحمة له. فأن وما بعدها خبر مبتدأ محذوف، والجملة خبر * (من) * أو جواب الشرط، والخبر حينئذ على الخلاف، وقدر بعضهم فله أنه الخ أو فعليه أنه الخ، وحينئذ يجوز الرفع على الابتداء والرفع على الفاعلية، وقيل: إن المنسبك في موضع نصب بفعل محذوف أي فليعلم أنه الخ، وقيل: إن هذا تكرير لما تقدم لبعد العهد وقيل: بدل منه، قال أبو البقاء: وكلاهما ضعيف لوجهين