تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٥٩
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن عكرمة قال: مشى عتبة وشيبة ابنا ربيعة وقرظة بن عمرو بن نوفل والحرث بن عامر بن نوفل ومطعم بن عدي في أشراف الكفار من عبد مناف إلى أبي طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك طرد عنا هؤلاء الأعبد والحلفاء كان أعظم له في صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقه فذكر ذلك أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لو فعلت يا رسول الله حتى ننظر ما يريدون بقولهم: وما يصيرون إليه من أمرهم فأنزل الله سبحانه * (وأنذر به) * إلى قوله سبحانه * (أليس الله بأعلم بالشاكرين) * (الأنعام: 51 - 53) وكانوا بلالا وعمار بن ياسر وسالم مولى أبي حذيفة وصبيحا مولى أسيد، والحلفاء ابن مسعود والمقداد بن عمرو وواقد بن عبد الله الحنظلي وعمرو بن عبد عمرو ومرثد بن أبي مرثد وأشباههم. ونزل في أئمة الكفر من قريش والموالي. والحلفاء * (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) * (الأنعام: 53) الآية فلما نزلت أقبل عمر رضي الله تعالى عنه فاعتذر من مقالته فأنزل الله تعالى: * (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا) * (الأنعام: 54) الآية. والغداة أصله غدوة قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأصل العشي عشوي قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وفاء بالقاعدة، والظاهر أنه مفرد كالعشية وجمعه عشايا وعشيات، وقيل: هو جمع عشية وفيه بعد، ومعنى الأول لغة البكرة أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، ومعنى الثاني آخر النهار، والمراد بهما ههنا الدوام كما يقال فعله مساء وصباحا إذا داوم عليه، والمراد بالدعاء حقيقته أو الصلاة أو الذكر أو قراءة القرآن أقوال.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد أنهما عبارة عن صلاتي الصبح والعصر لأن الزمان كثيرا ما يذكر ويراد به ما يقع فيه كما يقال صلى الصبح والمراد صلاته وقد يعكس فيراد بالصلاة زمانها نحو قربت الصلاة أي وقتها، وقد يراد بها مكانها كما قيل في قوله تعالى: * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * (النساء: 43) أن المراد بالصلاة المساجد، وخصا بالذكر لشرفهما. والأقوال في الدعاء جارية على هذا القول خلا الثاني، وقرأ ابن عامر هنا وفي الكهف (28) (الغدوة) بالواو وهي قراءة الحسن ومالك بن دينار وأبي رجاء العطاردي وغيرهم، وزعم أبو عبيد أن من قرأ بالواو فقد أخطأ لأن غدوة علم جنس لا تدخله الألف واللام، ومنشأ خطئه أنه اتبع رسم الخط لأن الغداة تكتب بالواو كالصلاة والزكاة وقد أخطأ في هذه التخطئة لأن غدوة وإن كان المعروف فيها ما ذكره لكن قد سمع مجيؤها اسم جنس أيضا منكرا مصروفا فتدخلها أل حينئذ، وقد نقل ذلك سيبويه عن الخليل، وتصديره بالزعم لا يدل على ضعفه كما يشير إليه كلام الإمام النووي في " شرح مسلم " وذكره جم غفير من أهل اللغة.
وذكر المبرد أيضا عن العرب تنكير غدوة وصرفها وإدخال اللام عليها إذا لم يرد بها غدوة يوم بعينه والمثبت مقدم على النافي ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وكفى بوروده في القراءة المتواترة حجة فلا حاجة - كما قيل - إلى التزام أنها علم لكنها نكرت فدخلتها أل لأن تنكير العلم وإدخال أل عليه أقل قليل في كلامهم بل إن تنكير علم الجنس لم يعهد ولا إلى التزام أنها معرفة ودخلتها اللام لمشاكلة العشي كما دخلت على يزيد لمشاكلة الوليد في قوله: رأيت الوليد بن اليزيد مباركا $ شديدا بأعباء الخلافة كاهله لأن هذا النوع من المشاكلة وهو المشاكلة الحقيقية قليل أيضا، والكثير في المشاكلة المجاز ولا دلالة في
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»