بأعمالكم التي كنتم داومتم على عملها في الدنيا.
* (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جآء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون) *.
* (وهو القاهر فوق عباده) * فلا يعجزه أحد منهم ولا يحول بينه سبحانه وبين ما يريده فيهم، و * (فوق) * نصب على الظرفية حال أو خبر بعد خبر، وقد تقدم الكلام مبسوطا فيما للعلماء في هذه الآية * (ويرسل عليكم حفظة) * من الملائكة وهم الكرام الكاتبون المذكورون في قوله تعالى: * (وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين) * (الانطار: 10، 11) أو المعقبات المذكورة في قوله سبحانه: * (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) * (الرعد: 11)، وقيل: المراد ما يشمل الصنفين، ويقدر المحفوظ الأعمال والأنفس والأعم. وعن قتادة يحفظون العمل والرزق والأجل. والذي ذهب إليه أكثر المفسرين المعنى الأول في الحفظة، وهم عند بعض يكتبون الطاعات والمعاصي والمباحات بأسرها كما يشعر بذلك * (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) * (الكهف: 49) وجاء في الأثر تفسير الصغيرة بالتبسم والكبيرة بالضحك و * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * (ق: 18) وقال آخرون: لا يكتبون المباحات إذ لا يترتب عليها شيء. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن مع كل إنسان ملكين أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فإذا تكلم الإنسان بحسنة كتبها من على اليمين وإذا تكلم بسيئة قال من على اليمين لمن على اليسار: لتنتظره لعله يتوب منها فإن لم يتب كتب عليه والمشهور أنهما على الكتفين، وقيل: على الذقن، وقيل: في الفم يمينه ويساره. واللازم الإيمان بهما دون تعيين محلهما والبحث عن كيفية كتابتهما، وظواهر الآيات تدل على أن اطلاع هؤلاء الحفظة على الأقوال والأفعال كقوله تعالى: * (ما يلفظ من قول) * (ق: 18) الخ، وقوله سبحانه: * (يعلمون ما تفعلون) * (الانفطار: 12) وأما على صفات القلوب كالإيمان والكفر مثلا فليس في الظواهر ما يدل على اطلاعهم عليها، والأخبار بعضها يدل على الاطلاع كخبر " إذا هم العبد بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة " فإن الهم من أعمال القلب كالإيمان والكفر، وبعضها يدل على عدم الاطلاع كخبر " إذا كان يوم القيامة يجاء بالأعمال في صحف محكمة فيقول الله تعالى اقبلوا هذا وردوا هذا فتقول الملائكة وعزتك ما كتبنا إلا ما عمل فيقول سبحانه: إن عمله كان لغيري وإني لا أقبل اليوم إلا ما كان لوجهي " وفي رواية مرسلة لابن المبارك " إن الملائكة يرفعون أعمال العبد من عباد الله تعالى فيستكثرونه ويزكونه حتى يبلغوا به حيث شاء الله تعالى من سلطانه فيوحي الله تعالى إليهم إنكم حفظة عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه إن عبدي هذا لم يخلص في عمله فاجعلوه في سجين " الحديث. والقائل بأنهم لا يكتبون إلا الأعمال الظاهرة يقول: معنى - كتبت - في حديث الهم بالحسنة ثبتت عندنا وتحققت لا كتبت في صحف الملائكة.
والقائل بأنهم يكتبون الأعمال القلبية يقول باستثناء الرياء فيكتبون العمل دونه ويخفيه الله تعالى عنهم ليبطل سبحانه به عمل المرائي بعد كتابته إما في الآخرة أو في الدنيا زيادة في تنكيله وتفظيع حاله، ولعل هذا كما يفعل به يوم القيامة من رده إلى النار بعد تقريبه من الجنة.
فقد روى أبو نعيم والبيهقي وابن عساكر وابن النجار أنه " يؤمر بناس يوم القيامة إلى الجنة حتى إذا دنوا منها واستنشقوا ريحها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله تعالى لأهلها نودوا أن اصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون والآخرون بمثلها فيقولون: ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك وما أعددت فيها لأوليائك كان أهون علينا قال: ذلك أردت بكم يا أشقياء