لو قلنا رأينا الإنسان صدقنا في أن نقول رأينا من مضى من الناس ومن بقي ومن في زماننا من كونهم إنسانا لا من حيث شخصية كل إنسان ولما كان العالم أجمعه وآحاده على صورة حق ورأينا الحق فقد رأيناه وصدقنا وإذا نظرنا في عين التمييز في عين عين لم نصدق إلى آخر ما قال. وفي ذلك تحقيق نفيس لهذا المطلب، ومنه يعلم ما في قول بعضهم * (لا تدركه الأبصار) * لغاية ظهوره سبحانه * (وهو اللطيف) * إذ لا ألطف كما قال الشيخ الأكبر قدس سره من هوية تكون عين بصر العبد * (الخبير) * (الأنعام: 103) أي العليم خبرة أنه بصر العبد * (والله من ورائهم محيط) * (البروج: 20) و * (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) * (الشورى: 11) وعن الجنيد قدس سره اللطيف من نور قلبك بالهدى وربى جسمك بالغذاء وجعل لك الولاية بالبلوى. ويحرسك وأنت في لظى. ويدخلك جنة المأوى. وقال غيره: اللطيف إن دعوته لباك وإن قصدته آواك، وإن أحببته أدناك وإن أطعته كافك. وان أغضبته عافاك وإن أعرضت عنه دعاك. وإن أقبلت إليه هداك وإن عصيته راعاك. وهو كلام ما ألطفه * (قد جاءكم بصائر من ربكم) * وهي صور تجليات صفاته. وقال بعض العارفين: إنها كلماته التي تجلى منها لذوي الحقائق وبرزت من تحت سرادقاتها أنوار نعوته الأزلية * (فمن أبصر) * واهتدى * (فلنفسه) * ذلك الإبصار أي أن ثمرته تعود إليه * (ومن عمي) * واحتجب عن الهدى * (فعليها) * عماه واحتجابه * (وما أنا عليكم بحفيظ) * (الأنعام: 104) بل الله تعالى حفيظ عليكم لأنكم وسائر شؤونكم به موجودون * (وكذلك نصرف الآيات.
.. لقوم يعلمون) * (الأنعام: 105) قال ابن عطاء أي حقيقة البيان وهو الوقوف معه حيث ما وقف والجرى معه حيث ما جرى لا يتقدم بغلبته ولا يتخلف عنه لعجزه، وقال آخر: المعنى لقوم يعرفون قدري ويفهمون خطابي لا من لا يعرف مكان خطابي ومرادي من كلامي * (اتبع ما أوحي إليك من ربك) * قيل: هو إشارة إلى وحي خاص به صلى الله عليه وسلم لا يتحمله غيره أو إشارة إلى الوحي بالتوحيد ولذا وصف سبحانه نفسه بقوله: * (لا إله إلا هو) * ثم قال جل شأنه: * (وأعرض عن المشركين) * (الأنعام: 106) المحجوبين بالكثرة عن الوحدة * (ولو شاء الله ما أشركوا) * (الأنعام: 107) بل شاء سبحانه إشراكهم لأنه المعلوم له جل شأنه أزلا دون إيمانهم ولا يشاء إلا ما يعلمه دون ما لا يعلمه من النفي الصرف * (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله) * بل أرشدوهم إلى الحق بالتي هي أحسن * (فيسبوا الله عدوا بغير علم) * بأن يسبوكم وأنتم أعظم مظاهره * (كذلك زينا لكل أمة عملهم) * (الأنعام: 108) إذ هو الذي طلبوه منا بألسنة استعدادهم الأزلي ومن شأننا أن لا نرد طالبا * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) * أي أنهم طلبوا خوارق العادات وأعرضوا عن الحجج البينات لاحتجابهم بالحس والمحسوس * (قل إنما الآيات عند الله فيأتي بها حسبما تقتضيه الحكمة * (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) * (الأنعام: 109) لسبق الشقاء عليهم * (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) * لاقتضاء استعدادهم ذلك * (كما لم يؤمنوا به أول مرة) * حين أعرضوا عن الحجج البينات أو في الأزل * (ونذرهم في طغيانهم) * الذي هو لهم بمقتضى استعدادهم * (يعمهون) * (الأنعام: 110) يترددون متحيرين لا يدرون وجه الرشاد * (ومن يضلل الله فما له من هاد) * (غافر: 33).