تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٦٧
على سابقه أتى به للمبالغة على ما مر في العبارة. ويحتمل أن يراد لا تطرد السالكين لأجل المحجوبين فما عليك من حساب السالكين أو المحجوبين شيء ومعنى ذلك يعرف بأدنى التفات * (فتطردهم) * عن الجلوس معك * (فتكون من الظالمين) * (الأنعام: 52) لهم بنقص حقوقهم وعدم القيام برعاية شأنهم. ومن المؤولين من قال: إن الآية في أهل الوحدة أي لا تزجر الواصلين الكاملين ولا تنذرهم فإن الإنذار كما لا ينجع في الذين قست قلوبهم لا ينجع في الذين طاشوا وتلاشوا في الله تعالى وهم الذين يخصونه سبحانه بالعبادة دائما بحضور القلب وعدم مشاهدة شيء سواه حتى ذواتهم * (ما عليك من حسابهم) * فيما يعملون * (من شيء) * إذ لا واسطة بينهم وبين ربهم * (وما من حسابك عليهم من شيء) * أي لا يخوضون في أمور دعوتك بنصر وإعانة لاشتغالهم به سبحانه عمن سواه ودوام حضورهم معه * (فتطردهم) * عما هم عليه من دوام الحضور بدعوتك لهم لشغل ديني * (فتكون من الظالمين) * لتشويشك عليهم أوقاتهم، والله تعالى أعلم بحقيقة كلامه * (وكذلك فتنا بعضهم) * أي الناس وهم المحجوبون * (ببعض) * وهم العارفون * (ليقولوا) * أي المحجوبون مشيرين إلى العارفين مستحقرين لهم حيث لم يروا منهم سوى حالهم في الظاهر وفقرهم ولم يروا قدرهم ومرتبتهم وحسن حالهم في الباطن وغرهم ما هم فيه من المال والجاه والتنعم وخفض العيش * (أهؤلاء من الله عليهم) * بالهداية والمعرفة * (من بيننا) * أرادوا أنه سبحانه لم يمن عليهم * (أليس الله بأعلم بالشاكرين) * (الأنعام: 53) أي الذين يشكرونه حق شكره فيمن عليهم بعظيم جوده * (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا) * أي بواسطتها * (فقل) * لهم أنت أيها الوسيلة: * (سلام عليكم) * وهذا لأنهم في مقام الوسائط ولو بلغوا إلى درجة أهل المشاهدة لمنحهم سبحانه بسلامه كما قال عز شأنه * (سلام قولا من رب رحيم) * (يس: 58) وباقي الآية ظاهر. وقال الإمام الرازي: " إن قوله سبحانه: * (وإذا جاءك) * الخ مشتمل على أسرار عالية وذلك لأن ما سوى الله تعالى فهو آيات وجود الله تعالى وآيات صفات جلاله وإكرامه (وكبريائه) وآيات وحدانيته وما سواه سبحانه لا نهاية له (وما لا نهاية له) (1) فلا سبيل للعقل إلى الوقوف عليه على التفصيل التام إلا أن الممكن هو أن يطلع على بعض الآيات ويتوسل بمعرفتها إلى معرفة الله تعالى ثم يؤمن بالبقية على سبيل الإجمال ثم إنه يكون مدة حياته كالسابح في تلك البحار وكالسائح في تلك القفار. ولما كان لا نهاية لها فكذلك لا نهاية لترقي العبد في معارج تلك الآيات، وهذا (شرح إجمالي) لا نهاية لتفاصيله. ثم إن العبد إذا صار موصوفا بهذه الصفة فعند هذا أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم: * (سلام عليكم) * فيكون هذا التسليم بشارة بحصول السلامة. وقوله سبحانه * (كتب ربكم على نفسه الرحمة) * بشارة بحصول (الكرامة) عقيب تلك السلامة. أما السلامة فبالنجاة من بحر عالم الظلمات ومركز الجسمانية ومعدن الآفات (والمخافات) وموضع التغيرات والتبدلات، وأما الكرامة فبالوصول إلى الباقيات الصالحات والمجردات القدسيات والوصول إلى فسحة عالم الأنوار والترقي إلى معارج سرادقات الجلال " انتهى. وقال آخر: الإشارة إلى نوع من السالكين أي إذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا بمحو صفاتهم في صفاتنا * (فقل سلام عليكم) * لتنزهكم عن عيوب صفاتكم وتجردكم عن ملابسها * (كتب ربكم على نفسه الرحمة) * أي ألزم ذاته المقدسة رحمة إبدال صفاتكم بصفاته لكم لأن في الله سبحانه خلفا عن كل ما فات * (أنه من عل منكم سوءا بجهالة) * أي ظهر عليه في تلوينه صفة من صفاته بغيبة أو غفلة * (ثم تاب من بعده) * أي بعد ظهور تلك الصفة بأن رجع عن تلوينه وفاء إلى الحضور * (وأصلح) * أي ما ظهر منه بالخضوع والتضرع بين يديه
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»