تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٦٠
الآية على أنه صلى الله عليه وسلم وقع منه الطرد ليخدش وجه العصمة، والذي تحكيه الآثار أنه عليه الصلاة والسلام هم أن يجعل لأولئك الداعين المتقين وقتا خاصا ولأشراف قريش وقتا آخر ليتآلفوا فيقودهم إلى الإيمان؛ وأولئك رضي الله تعالى عنهم يعلمون ما قصد صلى الله عليه وسلم فلا يحصل لهم إهانة وانكسار قلب منه عليه الصلاة والسلام.
* (يريدون وجهه) * في موضع الحال من ضمير * (يدعون) *. وفي المراد بالوجه عند المؤولين خلاف فقيل - وهو المشهور - إنه الذات أي مريدين ذاته تعالى، ومعنى إرادة الذات على ما قيل الإخلاص لها بناء على استحالة كون الله تعالى مرادا لذاته سبحانه وتعالى لأن الإرادة صفة لا تتعلق إلا بالممكنات لأنها تقتضي ترجيح أحد طرفي المراد على الآخر وذلك لا يعقل إلا فيها أي يدعون ربهم مخلصين له سبحانه فيه، وقيد بذلك لتأكيد عليته للنهي فإن الإخلاص من أقوى موجبات الإكرام المضاد للطرد، وقيل: المراد به الجهة والطريق، والمعنى مريدين الطريق الذي أمرهم جل شأنه بإرادته وهو الذي يقتضيه كلام الزجاج، وقيل: " إنه كناية عن المحبة وطلب الرضا لأن من أحب ذاتا أحب أن يرى وجهه فرؤية الوجه من لوازم المحبة فلهذا (السبب) جعل (الوجه) (2) كناية عنها - قاله الإمام وهو كما ترى - وجوز أيضا أن يكون ذكر الوجه للتعظيم كما يقال: هذا وجه الرأي وهذا وجه الدليل، والمعنى يريدونه ".
* (ما عليك من حسابهم من شيء) * ضمير الجمع للموصول السابق كما روي عن عطاء وغالب المفسرين. وجوز في (ما) أن تكون تميمية وحجازية وفي * (شيء) * أن يكون فاعل الظرف المعتمد على النفي و * (من حسابهم) * وصف له قدم فصار حالا، وأن يكون في موضع رفع بالابتداء والظرف المتقدم متعلق بمحذوف وقع خبرا مقدما له و * (من) * زائدة للاستغراق، وكلام الزمخشري يشير إلى اختياره، والجملة اعتراض وسط بين النهي وجوابه تقريرا له ودفعا لما عسى أن يتوهم كونه مسوغا لطرد المتقين من أقاويل الطاعنين في دينهم كدأب قوم نوح عليه السلام حيث قالوا: * (ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي) * (هود: 27)، والمعنى ما عليك شيء ما من حساب إيمانهم وأعمالهم الباطنة كما يقوله المشركون حتى تتصدى له وتبني على ذلك ما تراه من الأحكام وإنما وظيفتك حسبما هو شأن منصب الرسالة النظر إلى ظواهر الأمور وإجراء الأحكام على موجبها وتفويض البواطن وحسابها إلى اللطيف الخبير، وظواهر هؤلاء دعاء ربهم بالغداة والعشي وروي عن ابن زيد أن المعنى ما عليك شيء من حساب رزقهم أي من فقرهم، والمراد لا يضرك فقرهم شيئا ليصح لك الإقدام على ما أراده المشركون منك فيهم.
* (وما من حسابك عليهم من شيء) * عطف على ما قبله، وجيء به مع أن الجواب قد تم بذلك مبالغة في بيان كون انتفاء حسابهم عليه عليه الصلاة والسلام بنظمه في سلك ما لا شبهة فيه أصلا وهو انتفاء كون حسابه صلى الله عليه وسلم عليهم فهو على طريقة قوله سبحانه: * (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) * (الأعراف: 34، والنحل: 61) في رأي. وقال الزمخشري: " إن الجملتين في معنى جملة واحدة تؤدي مؤدي * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (خاطر: 18) كأنه قيل: لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه، وحينئذ لا بد من الجملتين "، وتعقب بأنه غير حقيق بجلالة التنزيل. وتقديم خطابه صلى الله عليه وسلم في الموضعين - قيل - للتشريف له عليه أشرف الصلاة وأفضل السلام وإلا كان الظاهر وما عليهم من حسابك من شيء بتقديم على ومجرورها كما في الأول، وقيل: إن تقديم عليك في الجملة الأولى للقصد إلى إيراد النفي على اختصاص حسابهم به صلى الله عليه وسلم إذ هو الداعي إلى تصديه عليه الصلاة والسلام لحسابهم.
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»