تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٦٦
فطروا على التوحيد وجبلوا على المعرفة ولهم مشارب من بحر خطاب الله تعالى وأفنان من أشجار رياض كلماته سبحانه وحنين إليه عز وجل وتغريد باسمه عز اسمه. قيل: إن سمنون المحب كان إذا تكلم في المحبة يسقط الطير من الهواء. وروي في بعض الآثار أن الضب بعد أن تكلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد برسالته أنشأ يقول: ألا يا رسول الله إنك صادق $ فبوركت مهديا وبوركت هاديا وبوركت في الآزال حيا وميتا $ وبوركت مولودا وبوركت ناشيا وإن فيهم أيضا المحتجبين ومرتكبي الرذائل وغير ذلك. وقد تقدم الكلام في هذا المبحث مفصلا * (ما فرطنا في الكتاب) * أي كتاب أعمالهم * (من شيء ثم إلى ربهم يحشرون) * (الأنعام: 38) في عين الجمع * (والذين كذبوا) * لاحتجابهم بغواشي صفات نفوسهم * (بآياتنا) * وهي تجليات الصفات * (صم) * فلا يسمعون بآذان القلوب * (وبكم) * فلا ينطقون بألسنة العقول * (في الظلمات) * وهي ظلمات الطبيعة وغياهب الجهل * (من يشأ الله يضلله) * بإسبال حجب جلاله * (ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) * (الأنعام: 39) بإشراق سبحات جماله * (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله) * من المرض وسائر أنواع الشدائد * (أو أتتكم الساعة) * الصغرى أو الكبرى * (أغير الله تدعون) * لكشف ما ينالكم * (إن كنتم صادقين) * (الأنعام؛ 40) * (بل إياه تدعون) * (الأنعام: 41) لكشف ذلك. قال بعض العارفين مرجع الخواص إلى الحق جل شأنه من أول البداية ومرجع العوام إليه سبحانه بعد اليأس من الخلق وكان هذا في وقت هذا العارف. وأما في وقتنا فنرى العامة إذا ضاق بهم الخناق تركوا دعاء الملك الخلاق ودعوا سكان الثرى ومن لا يسمع ولا يرى. * (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) * (الأنعام: 42) أي ليطيعوا ويبرزوا من الحجاب وينقادوا متضرعين عند تجلي صفة القهر * (ولكن قست قلوبهم) * (الأنعام: 43) أي ما تضرعوا لقساوة قلوبهم بكثافة الحجاب وغلبة غشي الهوى وحب الدنيا وأصل كل ذلك سوء الاستعداد * (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم) * فلم تسمعوا خطابه * (وأبصاركم) * فلم تشاهدوا عجائب قدرته وأسرار صنعته * (وختم على قلوبكم) * فلم يدخلها شيء من معرفته سبحانه * (من إله غير الله يأتيكم به) * (الأنعام: 46) أي هل يقدر أحد سواه جلت قدرته على فتح باب من هذه الأبواب كلا بل هو القادر الفعال لما يريد * (قل لا أقول لكم عندي) * أي من حيث أنا * (خزائن الله) * أي مقدوراته * (ولا أعلم) * أي من حيث أنا أيضا * (الغيب ولا أقول لكم إني ملك) * أي روح مجرد لا أحتاج إلى طعام ولا شراب * (إن اتبع) * أي من تلك الحيثية * (إلا ما يوحى إلي) * من الله تعالى. وله صلى الله عليه وسلم مقام * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) * (الأنفال: 17). و * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) * (الفتح: 10) وليس لطير العقل طيران في ذلك الجو * (قل هل يستوي الأعمى) * عن نور الله تعالى وإحاطته بكل ذرة من العرش إلى الثرى وظهوره بما شاء حسب الحكمة وعدم تقييده سبحانه بشيء من المظاهر * (والبصير) * (الأنعام: 50) بذلك فيتكلم في كل مقام بمقال * (ولا تطرد) * أي لأجل التربية والتهذيب والامتحان * (الذين يدعون ربهم) * الذي أوصلهم حيث أوصلهم من معارج الكمال * (بالغداة) * أي وقت تجلي الجمال * (والعشي) * أي وقت تجلي العظمة والجلال * (يريدون وجهه) * أي يريدونه سبحانه بذاته وصفاته ويطلبون تجليه عز وجل لقلوبهم * (ما عليك من حسابهم) * أي حساب أعمالهم القلبية من شيء لأن الله تعالى قد تولى حفظ قلوبهم وأمطر عليها سحائب عنايته فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، وقوله تعالى: * (وما من حسابك عليهم من شيء) * عطف
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»