بها لاستقباح مضمونها واستبعاد وقوعه مع تحقق ما يقتضي عدمه أو للتفرقة بينه عليه الصلاة والسلام وبينهم، والضمير للبينة، والتذكير باعتبار المعنى المراد، وقال الزجاج: لأنها بمعنى البيان، وجوز أن يكون الضمير لربي على معنى إن صدقت به ووحدته وأنتم كذبتم به وأشركتم. وقوله تعالى: * (ما عندي ما تستعجلون به) * استئناف مبين لخطئهم في شأن ما جعلوه منشأ لتكذيبهم بالقرآن وهو عدم مجىء ما وعد فيه من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بقولهم بطريق الاستهزاء أو الإلزام بزعمهم * (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) * (يونس: 48) وقال الإمام: " إنه عليه الصلاة والسلام كان يخوفهم بنزول العذاب عليهم بسبب هذا الشرك، والقوم لإصرارهم على الكفر كانوا يستعجلون نزول ذلك (العذاب) فقال لهم: * (ما عندي) * " الخ وكأن الكلام مبين أيضا لخطئهم في شأن ما جعلوه منشأ لعدم الالتفات إلى نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عنه والإخبار بنزول العذاب بسببه أي ليس عندي ما يستعجلونه من العذاب الموعود به وتجعلون تأخره ذريعة إلى تكذيب القرآن أو عدم الالتفات إلى النهي عنه والوعيد عليه في حكمي وقدرتي حتى أجىء به أي ليس أمره مفوضا إلي.
* (إن الحكم) * أي ما الحكم في تأخير ذلك * (إلا لله) * وحده من غير أن يكون لغيره سبحانه دخل ما فيه بوجه من الوجوه. واختار بعضهم التعميم في متعلق الحكم أي ما الحكم في ذلك تأخيرا أو تعجيلا أو ما الحكم في جميع الأشياء فيدخل فيه ما ذكر دخولا أوليا؛ ورجح الأول بأن المقصود من قوله سبحانه: * (إن الحكم) * الخ التأسف على وقوع خلاف المطلوب كما يشهد به موارد استعماله وهو على التأخير فقط.
* (يقص) * أي يتبع * (الحق) * والحكمة فيما يحكم به ويقدره كائنا ما كان أو يبينه بيانا شافيا من قص الأثر أو الخبر وهو من قبيل التكميل للخاص على ما اخترناه بإردافه بأمر عام كقوله تعالى: * (بيده الملك وهو على كل شيء قدير) * (الملك: 1). وقرأ الكسائي وغيره " يقضي " من القضاء وحذفت الياء في الخط تبعا لحذفها في اللفظ لالتقاء الساكنين، وأصله أن يتعدى بالباء لا بنفسه فنصب * (الحق) * إما على المصدرية لأنه صفة مصدر محذوف قامت مقامه أي يقضي القضاء الحق أو على أنه مفعول به ويقضي متضمن معنى ينفذ أو هو متعد من قضى الدرع إذا صنعها أي يصنع الحق ويدبره كقول الهذلي: مسرودتان قضاهما داود. وفي الكلام على هذا استعارة تبعية.
واحتج مجاهد للقراءة الأولى بعدم الباء المحتاج إليها في الثانية وقد علمت فساده. واحتج أبو عمرو للثانية بقوله سبحانه: * (وهو خير الفاصلين) * فإن الفصل إنما يكون في القضاء لا في القصص ولو كان ذلك في الآية لقيل خير القاصين. وأجاب أبو علي الفارسي بأن القصص ههنا بمعنى القول وقد جاء الفصل فيه قال تعالى: * (إنه لقول فصل) * (الطارق: 13) * (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت) * (هود: 1) * (ونفصل الآيات) * (التوبة: 11) على أنك تعلم بأدنى التفات إلى أن القص هنا قد يؤول بلا تكلف وبعد إلى معنى القضاء. وفي " إرشاد العقل السليم " أن أصل القضاء الفصل بتمام الأمر وأصل الحكم المنع فكأنه يمنع الباطل عن معارضة الحق أو الخصم عن التعدي إلى صاحبه، وجملة * (وهو خير) * الخ تذييل مقرر لمضمون ما قبله مشير إلى أن قص الحق ههنا