تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٥٥
المس من خواص الأحياء. وفي " البحر " أنه يشعر بالاختيار، ومنع ذلك بعضهم، وادعى عصام الملة أنه أشير بالمس إلى أن العذاب لا يأخذهم بحيث يعدمهم حتى يتخلصوا بالهلاك وله وجه.
* (بما كانوا يفسقون) * أي بسبب فسقهم. نعم أخرج ابن جرير عن ابن زيد " أن كل فسق في القرآن معناه الكذب "، ولعله في حيز المنع وخروجهم المستمر عن حظيرة الإيمان والطاعة، وقد يقال: الفاسق لمن خرج عن التزام بعض الأحكام لكنه غير مناسب ههنا.
* (قل لا أقول لكم عندى خزآئن الله ولاأعلم الغيب ولاأقول لكم إنى ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلى قل هل يستوى الاعمى والبصير أفلا تتفكرون) *.
* (قل) * أيها الرسول البشير النذير للكفرة الذين يقترحون عليك ما يقترحون: * (لا أقول لكم عندي خزائن الله) * أي مقدوراته جمع خزينة أو خزانة وهي في الأصل ما يحفظ فيه الأشياء النفيسة تجوز فيها عما ذكر، وعلى ذلك الجبائي وغيره، ولم يقل: لا أقدر على ما يقدر عليه الله قيل: لأنه أبلغ لدلالته على أنه لقوة قدرته كأن مقدوراته مخزونة حاضرة عنده، وقيل: إن الخزائن مجاز عن المرزوقات من إطلاق المحل على الحال أو اللازم على الملزوم؛ وقيل: الكلام على حذف مضاف أي خزائن رزق الله تعالى أو مقدوراته، والمعنى لا أدعي أن هاتيك الخزائن مفوضة إلي أتصرف فيها كيفما أشاء استقلالا أو استدعاء حتى تقترحوا علي تنزيل الآيات أو إنزال العذاب أو قلب الجبال ذهبا أو غير ذلك مما لا يليق بشأني.
* (ولا أعلم الغيب) * عطف على محل * (عندي خزائن الله) * فهو مقول * (أقول) * أيضا، ونظر فيه الحلبي من حيث إنه يؤدي إلى أن يصير التقدير ولا أقول لكم لا أعلم الغيب وليس بصحيح. وأجيب بأن التقدير ولا أقول لكم أعلم الغيب بإضماء القول بين * (لا) * و * (أعلم) * لا بين الواو و * (لا) *، وقيل: (لا) في - * (لا أعلم) * - مزيدة مؤكدة للنفي. وقال أبو حيان: " الظاهر أنه عطف على * (لا أقول) * لا معمول له فهو أمر أن يخبر عن نفسه بهذه الجمل (الثلاث) فهي معمولة للأمر الذي هو * (قل) * "، وتعقب بأنه لا فائدة في الإخبار بأني لا أعلم الغيب وإنما الفائدة في الإخبار بأني لا أقول ذلك ليكون نفيا لا دعاء الأمرين اللذين هما من خواص الإلهية ليكون المعنى إني لا أدعي الإلهية.
* (ولا أقول لكم إني ملك) * ولا أدعي الملكية، ويكون تكرير * (لا أقول) * إشارة إلى هذا المعنى. وقال بعض المحققين: إن مفهومي * (عندي خزائن الله) *. و * (إني ملك) * لما كان حالهما معلوما عند الناس لم يكن حاجة إلى نفيهما وإنما الحاجة إلى نفي ادعائهما تبريا عن دعوى الباطل، ومفهوم * (إني لا أعلم الغيب) * لما لم يكن معلوما احتيج هنا إلى نفيه فدعوى أنه لا فائدة في الإخبار بذلك منظور فيها. والذي اختاره مولانا شيخ الإسلام القول الأول وأن المعنى " ولا أدعي أيضا أني أعلم الغيب من أفعاله عز وجل حتى تسألوني عن وقت الساعة أو وقت إنزال العذاب أو نحوهما ".
وخص ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الغيب بعاقبة ما يصيرون إليه أي لا أدعي ذلك ولا أدعي أيضا الملكية حتى تكلفوني من الأفاعيل الخارقة للعادات ما لا يطيقه البشر من الرقي في السماء ونحوه أو تعدوا عدم اتصافي بصفاتهم قادحا في أمري كما ينبىء عنه قولهم: * (ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) * (الفرقان: 7) وليس في الآية على هذا دليل على تفضيل الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما هو محل النزاع كما زعم الجبائي لأنها إنما وردت ردا على الكفار في قولهم * (ما لهذا الرسول) * الخ وتكليفهم له عليهم الصلاة والسلام بنحو الرقي في السماء. ونحن لا ندعي تميز الأنبياء على الملائكة عليهم الصلاة والسلام في عدم الأكل مثلا والقدرة على الأفاعيل الخارقة كالرقي ونحوه ولا مساواتهم لهم في ذلك بل كون الملائكة متميزين عليهم عليهم الصلاة
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»