وعدم التفكر مع تحقق ما يوجبه على الثاني. وذكر بعضهم أن في * (الأعمى والبصير) * ثلاث احتمالات إما أن يكونا مثالا للضال والمهتدي أو مثالا للجاهل والعالم أو مثالا لمدعي المستحيل كالألوهية والملكية ومدعى المستقيم كالنبوة. وإن المعنى لا يستوي هذان الصنفان أفلا تتفكرون في ذلك فتهتدوا أي فتميزوا بين ادعاء الحق والباطل أو فتعلموا أن اتباع الوحي مما لا محيص عنه. والجملة تذييل لما مضى إما من أول السورة إلى هنا أو لقوله سبحانه: * (أن اتبع) * الخ أو لقوله عز شأنه * (لا أقول) *. ورجح في " الكشف " الأول ثم الثاني. ولا يخفى بعد هذا الترجيح. واعترض القول بإحالة الملكية بأنها من الممكنات لأن الجواهر متماثلة والمعاني القائمة ببعضها يجوز أن تقوم بكلها. وأجيب بعد تسليم ما فيه أن البشر حال كونه بشرا محال أن يكون ملكا لتمايزهما بالعوارض المتنافية - بلا خلاف وإقدام آدم عليه الصلاة والسلام بعد سماع * (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) * (الأعراف: 20) على الأكل ليس طمعا في الملكية حال البشرية على أنه يجوز أن يقال: إنه لم يطمع في الملكية أصلا وإنما طمع في الخلود فأكل.
* (وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولى ولا شفيع لعلهم يتقون) *.
* (وأنذر) * أي عظ وخوف يا محمد * (به) * أي بما يوحى أو بالقرآن كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والزجاج، وقيل: أي بالله تعالى وروي ذلك عن الضحاك. وهذا أمر منه سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد ما حكى سبحانه وتعالى له أن من الكفرة من لا يتعظ ولا يتأثر قد التحق بالأموات وانتظم في سلك الجمادات فما ينجع فيه دواء الإنذار ولا يفيده العظة والتذكار إذ ينذر من يتوقع في الجملة منهم الانتفاع ويرجى منهم القبول والسماع وهو المشار إليهم بقوله سبحانه: * (الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم) * فالمراد من الموصول المجوزون للحشر على الوجه الآتي سواء كانوا جازمين بأصله كأهل الكتاب وبعض المشركين المعترفين بالبعث المترددين في شفاعة آبائهم الأنبياء كالأولين أو في شفاعة الأصنام كالآخرين أو المترددين فيهما معا كبعض الكفرة الذين يعلم من حالهم أنهم إذا سمعوا بحديثه يخافون أن يكون حقا، وأما المنكرون للحشر رأسا والقائلون به القاطعون بشفاعة آبائهم أو بشفاعة الأصنام فهم خارجون ممن أمر بإنذارهم كذا قال شيخ الإسلام.
وروي عن ابن عباس والحسن رضي الله تعالى عنهم أن المراد بالموصول المؤمنون وارتضاه غير واحد إلا أنهم قيدوا بالمفرطين لأنه المناسب للإنذار ورجاء التقوى. وتعقبه الشيخ بأنه مما لا يساعده السباق ولا السياق بل فيه ما يقضي بعدم صحته وبينه بما سيذكر قريبا إن شاء الله تعالى، وقيل: المراد المؤمنون والكافرون وعلله الإمام الرازي " بأنه لا عاقل إلا وهو يخاف الحشر سواء قطع بحصوله أو كان شاكا فيه لأنه بالاتفاق غير معلوم البطلان بالضرورة فكان هذا الخوف قائما في حق الكل وبأنه عليه الصلاة والسلام كان مبعوثا إلى الكل فكان مأمورا بالتبليغ إليه " ولا يخفى ما فيه، والمفعول الثاني للإنذار إما العذاب الأخروي المدلول عليه بما في حيز الصلة، وإما مطلق العذاب الذي ورد به الوعيد. والتعرض لعنوان الربوبية بتحقيق المخافة إما باعتبار أن التربية المفهومة منها مقتضية خلاف ما خافوا لأجل الحشر. وإما باعتبار أنها منبئة عن المالكية المطلقة والتصرف الكلي كما قيل. والمراد من الحشر إليه سبحانه الحشر إلى المكان الذي جعله عز وجل محلا لاجتماعهم وللقضاء عليهم فلا تصلح الآية دليلا للمجسمة.