تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٥٨
وقوله سبحانه: * (ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع) * في حيز النصب على الحالية من ضمير * (يحشروا) * والعامل فيه فعله. ونقل الإمام عن الزجاج أنه حال من ضمير * (يخافون) * والأول أولى. و * (من دونه) * متعلق بمحذوف وقع حالا من اسم ليس لأنه في الأصل صفة له فلما قدم عليه انتصب على الحالية، والحال الأولى لإخراج الحشر الذي لم يقيد بها عن حيز الخوف وتحقيق أن ما نيط به الخوف (هو الحشر على) تلك الحالة لا الحشر كيفما كان ضرورة أن المعترفين به الجازمين بنصرة غيره تعالى بمنزلة المنكرين له في عدم الخوف الذي يدور عليه أمر الإنذار والحال الثانية لتحقيق مدار خوفهم وهو فقدان ما علقوا به رجاءهم وذلك إنما هو (ولاية) (1) غيره سبحانه كما في قوله جل شأنه: * (ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء) * (الأحقاق: 32) وليست لإخراج الولي الذي لم يقيد بها عن حيز الانتفاء لاستلزامه ثبوت ولايته تعالى لهم كما في قوله سبحانه: * (وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) * (البقرة: 107) وذلك فاسد. والمعنى أنذر به الذين يخافون حشرهم غير منصورين من جهة أنصارهم بزعمهم قاله شيخ الإسلام، ثم قال: ومن هذا اتضح أن لا سبيل إلى كون المراد بالخائفين المفرطين من المؤمنين إذ ليس لهم ولي ولا شفيع سواه عز وجل ليخافوا الحشر بدون نصرته وإنما الذي يخافونه الحشر بدون نصرته سبحانه انتهى. وهو تحقيق لم أره لغيره ويصغر لديه ما في " التفسير الكبير "، ولعل ما روي عن ابن عباس والحسن رضي الله تعالى عنهم لم يثبت عنهما فتدبر.
* (لعلهم يتقون) * أي لكي يخافوا في الدنيا وينتهوا عن الكفر والمعاصي كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو على هذا تعليل للأمر بالإنذار، وجوز أن يكون حالا عن ضمير الأمر أي أنذرهم راجيا تقواهم أو من الموصول أي أنذرهم مرجوا منهم التقوى.
* (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شىء وما من حسابك عليهم من شىء فتطردهم فتكون من الظ‍المين) *.
* (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) *. لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار المذكورين لعلهم ينتظمون في سلك المتقين نهي عليه الصلاة والسلام عن كون ذلك بحيث يؤدي إلى طردهم؛ ويفهم من بعض الروايات أن الآيتين نزلتا معا ولا يفهم ذلك من البعض الآخر، فقد أخرج أحمد والطبراني وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: " مر الملأ من قريش على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين فقالوا: يا محمد رضيت بهؤلاء من قومك أهؤلاء من الله تعالى عليهم من بيننا أنحن نكون تبعا لهؤلاء اطردهم عنك فلعلك إن طردتهم أن نتبعك فأنزل الله تعالى فيهم القرآن * (وأنذر به الذين) * إلى قوله سبحانه: * (والله أعلم بالظالمين) * (الأنعام: 51 - 58).
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والبيهقي في " الدلائل ". وغيرهم عن خباب رضي الله تعالى عنه قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فوجدا النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا مع بلال وصهيب. وعمار وخباب في أناس ضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حوله حقروهم فأتوه فخلوا به فقالوا: نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا العرب له فضلنا فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا قعودا مع هؤلاء الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت قال: نعم قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتابا فدعا بالصحيفة ودعا عليا كرم الله تعالى وجهه ليكتب ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل بهذه الآية * (ولا تطرد الذين) * الخ ثم دعانا فأتيناه وهو يقول: * (سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة) * (الأنعام: 54) فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله تعالى * (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم) * (الكهف: 28) الخ
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»