على أنواع كثيرة كل منها أمة كالأنسان فكأنه قيل: ما من جنس من هذين الجنسين إلا أمم الخ، وهذا كما يقال: ما من رجل من هذين الرجلين إلا كذا، ومراده أن لفظ دابة وطائر حامل لمعنى الجنس والوحدة فلبيان أن القصد من كل منهما إلى الجنس من حيث هو دون الوحدة والكثرة وصف بصفة لازمة للجنس من حيث هو أي بلا شرط شيء منهما والاستغراق المستفاد من كلمة (من) بالنظر إلى الجنسين، وبهذا يندفع القول بوجوب تأويل كلام السكاكي وإرجاعه إلى ما ذكره الزمخشري في هذا المقام، وعليه لا يتصور كون الوصف مفيدا لزيادة التعميم والإحاطة لأن الجنس من حيث هو أي لا بشرط شيء مفهوم واحد كما لا يخفى. واعترض أيضا القول بالعموم بأنه كيف يصح مع وجوب خروج المشبه به عنه. وأجيب بأن القصد أولا: إلى العام والمشبه به في حكم المستثنى بقرينة التشبيه كأنه قيل: ما من واحد من أفراد هذين الجنسين بعمومهما سواكم إلا أمم أمثالكم، ولك أن تدعي دخول كل فرد من أفراد المخاطبين بالتزام أن له اعتبارين اعتبار أنه مشبه واعتبار أنه مشبه به فتأمل جميع ذلك.
* (ما فرطنا في الكتاب من شيء) * التفريط التقصير، وأصله أن يتعدى بفي وقد ضمن هنا معنى أغفلنا وتركنا، فمن شيء في موضع المفعول به ومن زائدة لاستغراق، ويبعد جعلها تبعيضية أي ما فرطنا في الكتاب بعض شيء وإن جوزه بعضهم، والمراد من الكتاب القرآن واختاره البلخي وجماعة فإنه ذكر فيه جميع ما يحتاج إليه من أمر الدين والدنيا بل وغير ذلك إما مفصلا وإما مجملا، فعن الشافعي عليه الرحمة ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله تعالى الهدي فيها.
وروى البخاري عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: " لعن الله تعالى الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى فقالت له امرأة في ذلك فقال: ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالى فقالت له: قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأت * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * (الحشر: 7) قالت: بلى قال: فإنه عليه الصلاة والسلام قد نهى عنه " وقال الشافعي رحمه الله تعالى مرة بمكة: سلوني عما شئتم أخبركم عنه من كتاب الله تعالى فقيل له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ فأجاب بأنه يقتله واستدل عليه بنحو استدلال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أنه قال: أنزل في هذا القرآن كل علم وبين لنا فيه كل شيء ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن. وأخرج أبو الشيخ في كتاب " العظمة " عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله سبحانه وتعالى لو أغفل شيئا لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة " وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى، وقال المرسي: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلا المتكلم به ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا ما استأثر الله تعالى به، وقد سمعت من بعضهم والعهدة عليه أن الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي قدس الله تعالى سره وقع يوما عن حماره فرضت رجله فجاؤوا ليحملوه فقال: امهلوني فأمهلوه يسيرا ثم أذن لهم فحملوه فقيل له في ذلك فقال: راجعت كتاب الله تعالى فوجدت خبر هذه الحادثة قد ذكر في الفاتحة، وهذا أمر لا تصله عقولنا. ومثله استخراج بعضهم من الفاتحة أيضا أسماء سلاطين آل عثمان وأحوالهم ومدة