أي البؤس والضر.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جبير أنه قال: خوف السلطان وغلاء السعر. وقيل: البأساء القحط والجوع والضراء المرض ونقصان الأنفس والأموال وهما صيغتا تأنيث لا مذكر لهما على أفعل كأحمر حمراء كما هو القياس فإنه لم يقل أضر وأبأس صفة بل للتفضيل * (لعلهم يتضرعون) * أي لكي يتذللوا فيدعوا ويتوبوا من كفرهم.
* (فلولاإذ جآءهم بأسنا تضرعوا ولاكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) *.
* (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) * أي فلم يتضرعوا حينئذ مع وجود المقتضي وانتفاء المانع الذي يعذرون به، ولولا عند الهروي تكون نافية حقيقة وجعل من ذلك قوله تعالى: * (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس) * (يونس: 98) والجمهور حملوه على التوبيخ والتنديم وهو يفيد الترك وعدم الوقوع ولذا ظهر الاستدراك والعطف في قوله تعالى: * (ولاكن قست قلوبهم) * وليست لولا هنا تحضيضية كما تتوهم لأنها تختص بالمضارع، واختار بعضهم ما ذهب إليه الهروي. ولما كان التضرع ناشئا من لين القلب كان نفيه نفيه فكأنه قيل: فما لانت قلوبهم ولكن قست، وقيل: كان الظاهر أن يقال: لكن يجب عليهم التضرع إلا أنه عدل إلى ما ذكر لأن قساوة القلب التي هي المانع يشعر بأن عليهم ما ذكر، ومعنى * (قست) * الخ استمرت على ما هي عليه من القساوة أو ازدادت قساوة.
* (وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) * من الكفر والمعاصي فلم يخطروا ببالهم أن ما اعتراهم من البأساء والضراء ما اعتراهم إلا لأجله. والتزيين له معان، أحدها: إيجاد الشيء حسنا مزينا في نفس الأمر كقوله تعالى: * (زينا السماء الدنيا) * (الصافات: 6) والثاني: جعله مزينا من غير إيجاد كتزيين الماشطة العروس. والثالث: جعله محبوبا للنفس مشتهى وإن لم يكن في نفسه كذلك وهذا إما بمعنى خلق الميل في النفس والطبع وإما بمعنى تزويقه وترويجه بالقول وما يشبهه كالوسوسة والإغواء، وعلى هذا يبنى أمر إسناده فإنه جاء في النظم الكريم تارة مسندا إلى الشيطان كما في هذه الآية وتارة إليه سبحانه كما في قوله سبحانه * (كذلك زينا لكل أمة عملهم) * (الأنعام: 108) وتارة إلى البشر كقوله عز وجل: * (زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) * (الأنعام: 137) فإن كان بالمعنى الأول فإسناده إلى الله تعالى حقيقة، وكذا إذا كان بالمعنى الثالث بناء على المراد منه أولا، وإن كان بالمعنى الثاني أو الثالث بناء على المراد منه ثانيا فإسناده إلى الشيطان أو البشر حقيقة، ولا يمكن إسناد ما يكون بالإغواء والوسوسة إليه سبحانه كذلك. وجاء أيضا غير مذكور الفاعل كقوله سبحانه: * (زين للمسرفين) * (يونس: 12) وحينئذ يقدر في كل مكان ما يليق به، وقد مر لك ما يتعلق بهذا البحث فتذكر.
* (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شىء حتى إذا فرحوا بمآ أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) *.
* (فلما نسوا ما ذكروا به) * أي تركوا ما دعاهم الرسل عليهم الصلاة والسلام إليه وردوه عليهم ولم يتعظوا به كما روي عن ابن جريج، وقيل: المراد أنهم انهمكوا في معاصيهم ولم يتعظوا بما نالهم من البأساء والضراء فلما لم يتعظوا * (فتحنا عليهم أبواب كل شيء) * من النعم الكثيرة كالرخاء وسعة الرزق مكرا بهم واستدراجا لهم. فقد روى أحمد والطبراني والبيهقي في " شعب الإيمان " من حديث عقبة بن عامر مرفوعا " إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد في الدنيا وهو مقيم على معاصيه فإنما هو استدراج ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم * (فلما نسوا) * الآية وما بعدها " وروي عن الحسن أنه لما سمع الآية قال: " مكر بالقوم ورب الكعبة أعطوا حاجتهم ثم أخذوا " وقيل: المراد فتحنا عليهم ذلك إلزاما للحجة وإزاحة للعلة، والظاهر أن * (فتحنا) * جواب (لما)