تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٦
الراسخون، والسين لتوكيد الوعد كما قدمنا، وتنكير الأجر للتفخيم كما مر غير مرة، ولا يخفى ما في هذا من المناسبة التامة بين طرفي الاستدراك حيث أوعد الأولون بالعذاب الأليم، ووعد الآخرون بالأجر العظيم، وجوز غير واحد من المفسرين كون خبر المبتدأ الأول جملة * (يؤمنون) * وحمل المؤمنين على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن عدا أهل الكتاب والمناسبة عليه غير تامة، وذهب بعضهم إلى أن الاستدراك إنما هو من قوله تعالى: * (يسئلك أهل الكتاب) * (النساء: 153) الآية كأنه قيل: لكن هؤلاء لا يسألونك ما يسألك هؤلاء الجهال من إنزال كتاب من السماء لأنهم قد علموا صدق قولك فيما قرأوا من الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ووجوب اتباعك عليهم فلا حاجة بهم أن يسألوك معجزة أخرى إذ قد علموا من أمرك بالعلم الراسخ في قلوبهم ما يكفيهم عن ذلك، وروي هذا عن قتادة. وتجاوب طرفي الاستدراك عليه أتم منه على قول الجمهور. وقرأ حمزة * (سيؤتيهم) * بالياء مراعاة لظاهر قوله تعالى: * (المؤمنون بالله) *..
* (إنآ أوحينآ إليك كمآ أوحينآ إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينآ إلى إبراهيم وإسم‍اعيل وإسح‍اق ويعقوب والاسباط وعيسى وأيوب ويونس وه‍ارون وسليم‍ان وءاتينا داوود زبورا) *.
* (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) * جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن ينزل عليهم) كتابا من السماء، واحتجاج عليهم بأن شأنه في الوحي كشأن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين لا ريب في نبوتهم، وقيل: هو تعليل لقوله تعالى: * (الراسخون في العلم) * (النساء: 162). وأخرج ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال؛ " قال سكين وعدي بن زيد: يا محمد ما نعلم الله تعالى أنزل على بشر من شيء بعد موسى عليه السلام فأنزل الله تعالى هذه الآية " والكاف في محل النصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي إيحاءا مثل إيحائنا إلى نوح عليه السلام، أو حال من ذلك المصدر المقدر معرفا كما هو رأي سيبويه أي إنا أوحينا الإيحاء (حال كونه) (1) مشبها بإيحائنا الخ، و (ما) في الوجهين مصدرية. وجوز أبو البقاء أن تكون موصولة فيكون الكاف مفعولا به أي أوحينا إليك مثل الذي أوحيناه إلى نوح من التوحيد وغيره وليس بالمرضى، و (من بعده) متعلق - بأوحينا - ولم يجوزوا أن يكون حالا من النبيين لأن ظروف الزمان لا تكون أحوالا للجثث، وبدأ سبحانه بنوح عليه السلام تهديدا لهم لأنه أول نبي عوقب قومه، وقيل: لأنه أول من شرع الله تعالى على لسانه الشرائع والأحكام، وتعقب بالمنع، وقيل: لمشابهته بنبينا صلى الله عليه وسلم في عموم الدعوة لجميع أهل الأرض، ولا يخلو عن نظر لأن عموم دعوته عليه السلام اتفاقي لا قصدي، وعموم الفرق على القول به - وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه - ليس قطعي الدلالة على ذلك كما لا يخفى.
* (وأوحينا إلى إبراهيم) * عطف على * (أوحينا إلى نوح) * داخل معه في حكم التشبيه أي كما أوحينا إلى إبراهيم * (وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط) * وهم أولاد يعقوب عليه السلام في المشهور، وقال غير واحد: إن الأسباط في ولد إسحاق كالقبائل في أولاد إسماعيل، وقد بعث منهم عدة رسل، فيجوز أن يكون أراد سبحانه بالوحي إليهم الوحي إلى الأنبياء منهم كما تقول: أرسلت إلى بني تميم، وتريد أرسلت إلى وجوههم، ولم يصح أن الأسباط الذين هم أخوة يوسف عليه السلام كانوا أنبياء بل الذي صح عندي - وألف فيه الجلال السيوطي " رسالة " - خلافه * (وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان) * ذكروا مع ظهور انتظامهم في سلك النبيين تشريفا لهم وإظهارا لفضلهم على ما هو المعروف في ذكر الخاص بعد العام في مثل هذا المقام، وتكرير الفعل لمزيد تقرير الإيحاء والتنبيه على أنهم طائفة خاصة مستقلة بنوع مخصوص من الوحي، وبدأ بذكر إبراهيم بعد التكرير
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»