وهو أن يكون مطرحا لشعاعها عليه، أو يريد أنها متعلقة به كتعلق العلم القديم بالمعلومات، أو يريد غير ذلك فإن كان الأول يلزم أن تكون الكلمة ذات شعاع، وفي جهة من مطرح شعاعها، ويلزم من ذلك أن تكون جسما، وأن لا تكون صفة للجوهر القديم وهو محال، وإن كان الثاني فهو حق غير أن تعلق الأقنوم بالمسيح بهذا التفسير لا يكون خاصة، وإن كان الثالث فلا بد من تصويره ليتكلم عليه.
وأما قول بعض النسطورية: إن كل واحد من الأقانيم الثلاثة إله حي ناطق فهو باطل بأدلة إبطال التثليث، وأما من أثبت منهم لله تعالى صفات أخر كالقدرة والإرادة ونحوهما فقد أصاب خلا أن القول بإخراجها عن كونها من الأقانيم مع أنها مشاركة لها في كونها من الصفات تحكم بحت، والفرق الذي يستند إليه باطل كما علمت؛ وأما قولهم: إن المسيح إنسان تام وإله تام وهما جوهران: قديم وحادث، فطريق رده من وجهين: الأول: التعرض لإبطال كون الأقنوم المتحد بجسد المسيح إلها وذلك بأن يقال: إما أن يقولوا: بأن ما اتحد بجسد المسيح هو إله فقط أو أن كل أقنوم إله كما ذهبت إليه الملكانية، فإن كان الأول: فهو ممتنع لعدم الأولوية، وإن كان الثاني فهو ممتنع أيضا لما تقدم، الثاني: أنه إذا كان المسيح مشتملا على الأقنوم والناسوت الحادث، فإما أن يقولوا بالإتحاد أو بحلول الأقنوم في الناسوت، أو حلول الناسوت في الأقنوم، أو أنه لا حلول لأحدهما في الآخر، فإن كان الأول فهو باطل بما سبق في إبطال الاتحاد، وإن كان الثاني فهو باطل بما يبطل حلول الصفة القديمة في غير ذات الله تعالى وحلول الحادث في القديم، وإن كان الثالث فإما أن يقال بتجاورهما واتصالهما أو لا، فإن قيل: بالأول فإما أن يقال بانفصال الأقنوم القديم عن الجوهر الحادث أو لا يقال به، فإن قيل: بالانفصال فهو ممتنع لوجهين: الأول: ما يدل على إبطال انتقال الصفة عن الموصوف، الثاني: أنه يلزم منه قيام صفة حال مجاورتها للناسوت بنفسها وهو محال، وإن لم يقل بانفصال الأقنوم عن الجوهر القديم يلزم منه أن يكون ذات الجوهر القديم متصلة بجسد المسيح ضرورة اتصال أقنومها به، وعند ذلك فليس اتحاد الأقنوم بالناسوت أولى من اتحاد الجوهر القديم به ولم يقولوا بذلك، وإن لم يقل بتجاورهما واتصالهما فلا معنى للاتحاد بجسد المسيح، وليس القول بالاتحاد مع عدم الاتصال بجسد المسيح أولى من العكس، وأما قول من قال منهم: إن الإله واحد وإن المسيح ولد من مريم وإنه عبد صالح مخلوق إلا أن الله تعالى شرفه بتسميته ابنا فهو كما يقول الموحدون، ولا خلاف معهم في غير إطلاق اسم الابن، وأما قول بعض اليعقوبية: إن الكلمة انقلبت لحما ودما وصار الإله هو المسيح فهو أظهر بطلانا مما تقدم، وبيانه من وجهين: الأول: أنه لو جاز انقلاب الأقنوم لحما ودما مع اختلاف حقيقتيهما لجاز انقلاب المستحيل ممكنا والممكن مستحيلا والواجب ممكنا أو ممتنعا والممكن - أو الممتنع - واجبا، ولم يبق لأحد وثوق بشيء من القضايا البديهية، ولجاز انقلاب الجوهر عرضا والعرض جوهرا، واللحم والدم أقنوما، والأقنوم ذاتا والذات أقنوما، والقديم حادثا والحادث قديما، ولم يقل به أحد من العقلاء، الثاني: أنه لو انقلب الأقنوم لحما ودما، فإما أن يكون هو عين الدم واللحم اللذين كانا للمسيح، أو زائدا عليه منضما إليه، والأول: ظاهر الفساد، والثاني: لم يقولوا به؛ وأما ما نقل عن يوحنا من قوله: في البدء كانت الكلمة والكلمة عند الله والله هو الكلمة، فهو مما انفرد به ولم يوجد في شيء من الأناجيل، والظاهر أنه كذب، فإنه بمنزلة قول القائل: الدينار عند الصيرفي والصيرفي هو الدينار، ولا يكاد يتفوه به عاقل، وكذا قوله: إن الكلمة صارت جسدا وحلت فينا غير مسلم الثبوت، وعلى تقدير تسليمه يحتمل التقديم والتأخير