تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٣
ما قرأتها إلا اعترض في نفسي منها شيء قال الله تعالى: * (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) *، وإني أوتى بالأسارى فأضرب أعناقهم ولا أسمعهم يقولون شيئا فقلت: رفعت إليك على غير وجهها إن النصراني إذا خرجت روحه - أي إذا قرب خروجها كما تدل عليه رواية أخرى عنه - ضربته الملائكة من قبله ومن دبره، وقالوا: أي خبيث إن المسيح الذي زعمت أنه الله تعالى، وأنه ابن الله سبحانه، وأنه ثالث ثلاثة عبد الله وروحه وكلمته، فيؤمن به حين لا ينفعه إيمانه، وأن اليهودي إذا خرجت نفسه ضربته الملائكة من قبله ودبره، وقالوا: أي خبيث إن المسيح الذي زعمت أنك قتلته عبد الله وروحه فيؤمن به حين لا ينفعه الإيمان، فإذا كان عند نزول عيسى آمنت به أحياؤهم كما آمنت به موتاهم، فقال: من أين أخذتها؟ فقلت: من محمد بن علي (بن الحنفية)، قال: لقد أخذتها من معدنها، قال شهر: وأيم الله تعالى ما حدثنيه إلا أم سلمة، ولكني أحببت أن أغيظه، والإخبار بحالهم هذه وعيد لهم وتحريض إلى المسارعة إلى الإيمان به قبل أن يضطروا إليه مع انتفاء جدواه، وقيل: الضميران لعيسى عليه السلام، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا وأبي مالك والحسن وقتادة وابن زيد، واختاره الطبراني، والمعنى أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب الموجودين عند نزول عيسى عليه السلام إلا ليؤمنن به قبل أن يموت وتكون الأديان كلها دينا واحدا، وأخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الخنزير ويمحو الصليب وتجمع له الصلاة ويعطي المال حتى لا يقبل ويضع الخراج وينزل الروحاء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما " قال: وتلا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه * (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) *، وقيل: الضمير الأول لله تعالى ولا يخفى بعده، وأبعد من ذلك أنه لمحمد صلى الله عليه وسلم، وروي هذا عن عكرمة، ويضعفه أنه لم يجر له عليه الصلاة والسلام ذكر هنا، ولا ضرورة توجب رد الكناية إليه، لا أنه - كما زعم الطبري - لو كان صحيحا لما جاز إجراء أحكام الكفار على أهل الكتاب بعد موتهم لأن ذلك الإيمان إنما هو في حال زوال التكليف فلا يعتد به.
* (ويوم القي‍امة يكون) * أي عيسى عليه السلام * (عليهم) * أي أهل الكتاب * (شهيدا) * فيشهد على اليهود بتكذيبهم إياه وعلى النصارى بقولهم فيه: إنه ابن الله تعالى، والظرف متعلق - بشهيدا - وتقديمه يدل على جواز تقديم خبر كان مطلقا، أو إذا كان ظرفا أو مجرورا لأن المعمول إنما يتقدم حيث يصح تقديم عامله، وجوز أبو البقاء كون العامل فيه يكون..
* (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيب‍ات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا) *.
* (فبظلم من الذين هادوا) * أي تابوا من عبادة العجل، والتعبير عنهم بهذا العنوان إيذان بكمال عظم ظلمهم بتذكير وقوعه بعد تلك التوبة الهائلة إثر بيان عظمه بالتنوين التفخيمي أي بسبب ظلم عظيم خارج عن حدود (الأشباه والأشكال) صادر عنهم * (حرمنا عليهم طيب‍ات أحلت لهم) * ولمن قبلهم لا لشيء غيره كما زعموا، فإنهم كانوا كلما ارتكبوا معصية من المعاصي التي اقترفوها يحرم عليهم نوع من الطيبات التي كانت محللة لهم ولمن تقدمهم من أسلافهم عقوبة لهم، ومع ذلك كانوا يفترون على الله تعالى الكذب ويقولون: لسنا بأول من حرمت عليه وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعدهما عليهم الصلاة والسلام حتى انتهى الأمر إلينا فكذبهم الله تعالى في مواقع كثيرة وبكتهم بقوله سبحانه: * (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل) * (آل عمران: 93) الآية، وقد تقدم الكلام فيها، وذهب بعض المفسرين أن المحرم عليهم ما سيأتي إن شاء الله تعالى في الأنعام (146) مفصلا.
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»