تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٧٨
بالسيف والسنان، وزعم النيسابوري أنه لا يبعد أن يدخل كل هذه الأمة في الشهداء لقوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) * (البقرة: 143) وليس بشيء كما لا يخفى، وأن المراد بالصالحين الصارفين أعمارهم في طاعة الله تعالى وأموالهم في مرضاته سبحانه، ويقال: الصالح هو الذي صلحت حاله واستقامت طريقته. " والمصلح هو الفاعل لما فيه (الصلاح) قال الطبرسي: ولذا يجوز أن يقال: مصلح في حق الله تعالى دون صالح "، وليس المراد بالمعية اتحاد الدرجة ولا مطلق الاشتراك في دخول الجنة بل كونهم فيها بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر وزيارته متى أراد وإن بعدت المسافة بينهما، وذكر غير واحد أنه لا مانع من أن يرفع الأدنى إلى منزلة الأعلى متى شاء تكرمة له ثم يعود ولا يرى أنه أرغد منه عيشا ولا أكمل لذة لئلا يكون ذلك حسرة في قلبه، وكذا لا مانع من أن ينحدر الأعلى إلى منزلة الأدنى ثم يعود من غير أن يرى ذلك نقصا في ملكه أو حطا من قدره. وقد ثبت في غير ما حديث أن أهل الجنة يتزاورون، وادعى بعضهم أن لا تزاور مع رؤية كل واحد الآخر، وذلك لأن عالم الأنوار لا تمانع فيها ولا تدافع فينعكس بعضها على بعض كالمرايا المجلوة المتقابلة، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: * (إخوانا على سرر متقابلين) * (الحجز: 47) وزعم أنه التحقيق وهو بعيد عنه، وأبعد من ذلك بمراحل ما قيل: يحتمل أن يكون المراد أن معنى كون المطيع مع هؤلاء أنه معهم في سلوك طريق الآخرة فيكون مأمونا من قطاع الطريق محفوظ الطاعة عن النهب.
* (وحسن أول‍ئك رفيقا) * أي صاحبا، وهو مشتق من الرفق، وهو لين الجانب واللطافة في المعاشرة قولا وفعلا، والإشارة يحتمل أن تكون إلى النبيين ومن بعدهم وما فيها من معنى البعد لما مر مرارا و * (رفيقا) * حينئذ إما تمييز أو حال على معنى أنهم وصفوا بالحسن من جهة كونهم رفقاء للمطيعين، أو حال كونهم رفقاء لهم ولم يجمع لأن فعيلا يستوي فيه الواحد وغيره أو اكتفاءا بالواحد عن الجمع في باب التمييز لفهم المعنى، وحسنه وقوعه في الفاصلة؛ أو لأنه بتأويل حسن كل واحد منهم أو لأنه قصد بيان الجنس مع قطع النظر عن الأنواع، ويحتمل أن تكون إلى - من يطع - والجمع على المعنى ف * (رفيقا) * حينئذ تمييز على معنى أنهم وصفوا بحسن الرفيق من الفرق الأربع لا بنفس الحسن، فلا يجوز دخول - من - عليه كما يجوز في الوجه الأول. والجملة على الاحتمالين تذييل مقرر لما قبله مؤكد للترغيب والتشويق، وفي " الكشاف " " فيه معنى التعجب كأنه قيل: وما أحسن أولئك رفيقا ولاستقلاله بمعنى التعجيب قرىء * (وحسن) * بسكون السين يقول المتعجب: حسن الوجه وجهك، وحسن الوجه وجهك بالفتح والضم مع التسكين " انتهى. وفي " الصحاح " يقال: حسن الشيء وإن شئت خففت الضمة فقلت: حسن الشيء، ولا يجوز أن تنقل الضمة إلى الحاء لأنه خبر، وإنما يجوز النقل إذا كان بمعنى المدح أو الذم لأنه يشبه في جواز النقل بنعم وبئس، وذلك أن الأصل فيهما نعم وبئس فسكن ثانيهما، ونقلت حركته إلى ما قبله وكذلك كل ما كان في معناهما قال الشاعر:
لم يمنع الناس مني ما أردت وما * أعطيهم ما أرادوا (حسن ذا أدبا) أراد حسن هذا أدبا فخفف ونقل، وأراد أنه لما نقل إلى الإنشاء حسن أن يغير تنبيها على مكان النقل، وفي " الإرتشاف ": إن فعل المحول ذهب الفارسي. وأكثر النحويين إلى إلحاقه بباب نعم وبئس فقط، وإجراء
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»