مقام ولها أجزاء على عدد شعب الإيمان، وفسرها بعضهم بأنها نور أخضر بين نورين يحصل به شهود عين ما جاء به المخبر من خلف حجاب الغيب بنور الكرم وبين ذلك بما يطول.
والصنف الثالث: الشهداء تولاهم الله تعالى بالشهادة وجعلهم من المقربين، وهم أهل الحضور مع الله تعالى على بساط العلم به فقد قال سبحانه: * (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم) * (آل عمران: 18) فجمعهم مع الملائكة في بساط الشهادة فهم موحدون عن حضور إلهي وعناية أزلية فإن بعث الله تعالى رسولا وآمنوا به فهم المؤمنون العلماء ولهم الأجر التام يوم القيامة وإلا فليس هم الشهداء المنعم عليهم وإيمانهم بعد العلم بما قاله الله سبحانه: إن ذلك قربة إليه من حيث - قاله الله سبحانه، أو قاله الرسول الذي جاء من عنده - فقدم الصديق على الشهيد وجعل بإزاء النبي فإنه لا واسطة بينهما لاتصال نور الإيمان بنور الرسالة، والشهداء لهم نور العلم مساوق لنور الرسول من حيث هو شاهد لله تعالى بتوحيده لا من حيث هو رسول فلا يصح أن يكون بعده مع المساوقة لئلا تبطل ولا أن يكون معه لكونه رسولا، والشاهد ليس به فلا بد أن يتأخر فلم يبق إلا أن يكون في الرتبة التي تلي الصديقية فإن الصديق أتم نورا منه في الصديقية لأنه صديق من وجهين: وجه التوحيد ووجه القربة، والشهيد من وجه القربة خاصة لأن توحيده عن علم لا عن إيمان فنزل عن الصديق في مرتبة الإيمان وهو فوقه في مرتبة العلم فهو المتقدم في مرتبة العلم المتأخر برتبة الإيمان والتصديق فإنه لا يصح من العالم أن يكون صديقا، وقد تقدم العلم مرتبة الخبر فهو يعلم أنه صادق في توحيد الله تعالى إذا بلغ رسالة الله تعالى والصديق لم يعلم ذلك إلا بنور الإيمان المعد في قلبه فعندما جاء الرسول اتبعه من غير دليل ظاهر.
والصنف الرابع: الصالحون تولاهم الله تعالى بالصلاح وهم الذين لا يدخل في علمهم بالله تعالى ولا إيمانهم به وبما جاء من عنده سبحانه خلل فإذا دخله بطل كونه صالحا وكل من لم يدخله خلل في صديقيته فهو صالح، ولا في شهادته فهو صالح، ولا في توبته فهو صالح، ولكل أحد أن يدعو بتحصيل الصلاح له في المقام الذي يكون فيه لجواز دخول الخلل عليه في مقامه لأن الأمر اختصاص إلهي وليس بذاتي فيجوز دخول الخلل فيه، ويجوز رفعه، فصح أن يدعو الصالح بأن يجعل من الصالحين أي الذين لا يدخل صلاحهم خلل في زمان ما، وقد ذكر أنه ما من نبي إلا وذكر أنه صالح أو أنه دعا أن يكون من الصالحين مع كونه نبيا، ومن هنا قيل: إن مرتبة الصلاح خصوص في النبوة وقد تحصل لمن ليس بنبي ولا صديق ولا شهيد.
هذا ما وقفت عليه من كلام القوم قدس الله تعالى أسرارهم، ولم أظفر بالتفصيل الذي ذكره مولانا الشيخ قدس سره فتدبر، وقد ذكر أصحابنا الرسميون أن الصديق صيغة مبالغة - كالسكير - بمعنى المتقدم في التصديق المبالغ في الصدق والإخلاص في الأقوال والأفعال، ويطلق على كل من أفاضل أصحاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأماثل خواصهم كأبي بكر رضي الله تعالى عنه، وأن الشهداء جمع شهيد، والمراد بهم الذين بذلوا أرواحهم في طاعة الله تعالى وإعلاء كلمته وهم المقتولون بسيف الكفار من المسلمين، وقيل: المراد بهم ههنا ما هو أعم من ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم: إن شهداء أمتي إذا لقليل من قتل في سبيل الله تعالى فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات مبطونا فهو شهيد " وعد بعضهم الشهداء أكثر من ذلك بكثير، وقيل: الشهيد هو الذي يشهد لدين الله تعالى تارة بالحجة والبيان، وأخرى