تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٧٥
لهم بعد التثبيت؟ فقيل: وإذا لو ثبتوا لآتيناهم وليس مرادهم أنه جواب لسؤال مقدر لفظا ومعنى، وإلا لم يكن لاقترانه بالواو وجه، أو إظهار (لو) ليس لأنها مقدرة بل لتحقيق أن ذلك جواب للشرط لكن بعد اعتبار جوابه الأول، والمراد بالجواب في قولهم جميعا: إن إذا حرف جواب دائما أنها لا تكون في كلام مبتدأ بل هو في كلام مبني على شيء تقدمه ملفوظ، أو مقدر سواء كان شرطا، أو كلام سائل، أو نحوه كما أنه ليس المراد بالجزاء اللازم لها، أو الغالب إلا ما يكون مجازاة لفعل فاعل سواء السائل وغيره، وبهذا تندفع الشبه الموردة في هذا المقام، وزعم الطيبي أن ما أشرنا إليه من التقدير تكلف من ثلاثة أوجه - وهو توهم منشأه الغفلة عن المراد - كالذي زعمه العلامة الثاني فتدبر..
* (ولهديناهم صراطا مستقيما) *.
* (ولهديناهم صراطا مستقيما) * وهو المراتب - بعد الإيمان - التي تفتح أبوابها للعاملين، فقد أخرج أبو نعيم في " الحلية " عن أنس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عمل بما علم أورثه الله تعالى علم ما لم يعلم "، وقال الجبائي: المعنى ولهديناهم في الآخرة إلى طريق الجنة..
* (ومن يطع الله والرسول فأول‍ائك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهدآء والص‍الحين وحسن أول‍ائك رفيقا) *.
* (ومن يطع الله) * بالانقياد لأمره ونهيه * (والرسول) * المبلغ ما أوحي إليه منه باتباع شريعته والرضا بحكمه، والكلام مستأنف فيه فضل ترغيب في الطاعة ومزيد تشويق إليها ببيان أن نتيجتها أقصى ما تنتهي إليه همم الأمم، وأرفع ما تمتد إليه أعناق (أمانيهم، وتشرأب إليه أعين) عزائمهم من مجاورة أعظم الخلائق مقدارا وأرفعهم منارا، ومتضمن لتفسير ما أبهم وتفصيل ما أجمل في جواب الشرطية السابقة و * (من) * شرطية وإفراد ضمير * (يطع) * مراعاة للفظ، والجمع في قوله سبحانه: * (فأولئك) * مراعاة للمعنى أي فالمطيعون الذين علت درجتهم وبعدت منزلتهم شرفا وفضلا.
* (مع الذين أنعم الله عليهم) * بما تقصر العبارة عن تفصيله وبيانه * (من النبيين) * بيان للمنعم عليهم فهو حال إما من * (الذين) * أي مقارنيهم حال كونهم من النبيين وإما من ضميره والتعرض لمعية الأنبياء دون نبينا صلى الله عليه وسلم خاصة مع أن الكلام في بيان حكم طاعته عليه الصلاة والسلام لجريان ذكرهم في سبب النزول مع الإشارة إلى أن طاعته متضمنة لطاعتهم، أخرج الطبراني وأبو نعيم والضياء المقدسي وحسنه قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية * (ومن يطع الله) * " الخ، وروي مثله عن ابن عباس. وقال الكلبي: إن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديد الحب له عليه الصلاة والسلام قليل الصبر عنه، وقد نحل جسمه وتغير لونه خوف عدم رؤيته صلى الله عليه وسلم بعد الموت فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية، وعن مسروق " إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا فنزلت " وبدأ بذكر النبيين لعلو درجتهم وارتفاعهم على من عداهم، وقد نقل الشعراني عن مولانا الشيخ الأكبر قدس سره أنه قال: " فتح لي قدر خرم إبرة من مقام النبوة تجليا لا دخولا فكدت أحترق " ثم عطف (عليهم) على سبيل التدلي قوله سبحانه:
* (والصدقين والشهداء والص‍الحين) * فالمنازل أربعة بعضها دون بعض: الأول: منازل الأنبياء وهم الذين تمدهم قوة
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»