تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٨٠
على المبادرة إلى الخيرات كلها كيفما أمكن قبل الفوات..
* (وإن منكم لمن ليبطئن فإن أص‍ابتكم مصيبة قال قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا) *.
* (وإن منكم لمن ليبطئن) * أي ليتثاقلن وليتأخرن عن الجهاد من بطأ بمعنى أبطأ كعتم بمعنى أعتم إذا أبطأ، والخطاب لعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنيهم ومنافقيهم والمبطئون هم المنافقون منهم، وجوز أن يكون منقولا لفظا ومعنى من بطؤ نحو ثقل من ثقل، فيراد ليبطئن غيره وليثبطنه عن الجهاد كما ثبط ابن أبي ناسا يوم أحد، (والأنسب بما بعده)، واللام الأولى: لام التأكيد التي تدخل على خبر إن أو اسمها إذا تأخر، والثانية: جواب قسم، وقيل: " زائدة، وجملة القسم وجوابه صلة الموصول وهما كشيء واحد فلا يرد أنه لا رابطة في جملة القسم كما لا يرد أنها إنشائية فلا تقع صلة لأن المقصود الجواب، وهو خبري فيه عائد، ولا يحتاج إلى تقدير أقسم على صيغة الماضي ليعود ضميره إلى المبطىء بل هو خلاف الظاهر. وجوز في - من - أن تكون موصوفة، والكلام في الصفة كالكلام في الصلة، وهذه الجملة قيل: عطف على * (خذوا حذركم) * (النساء: 71) عطف القصة على القصة؛ وقيل: إنها معترضة إلى قوله سبحانه: * (فليقاتل) * (النساء: 74) وهو عطف على * (خذوا) *، وقرىء * (ليبطئن) * بالتخفيف.
* (فإن أص‍ابتكم مصيبة) * من العدو كقتل وهزيمة * (قال) * أي - المبطىء - فرحا بما فعل وحامدا لرأيه * (قد أنعم الله علي) * بالقعود * (إذ لم أكن معهم شهيدا) * حاضرا معهم في المعركة فيصيبني مثل الذي أصابهم من البلاء والشدة، وقيل: يحتمل أن يكون المعنى إذ لم أكن مع شهدائهم شهيدا، أو لم أكن معهم في معرض الشهادة، فالإنعام هو النجاة عن القتل وخوفه عبر عنه بالشهادة تهكما ولا يخفى بعده، والفاء في الشرطية لترتيب مضمونها على ما قبلها فإن ذكر التبطئة مستتبع لذكر ما يترتب عليها كما أن نفس التبطئة مستدعية لشيء ينتظر المبطىء وقوعه..
* (ولئن أص‍ابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ياليتنى كنت معهم فأفوز فوزا عظيما) *.
* (ولئن أص‍ابكم فضل) * كفتح وغنيمة * (من الله) * متعلق بأصابكم أو بمحذوف وقع صفة لفضل، وفي نسبة إصابة الفضل إلى (جانب) الله تعالى دون إصابة المصيبة تعليم لحسن الأدب مع الله تعالى وإن كانت المصيبة فضلا في الحقيقة، وتقديم الشرطية الأولى لما أن مضمونها لمقصدهم أوفق، وأثر نفاقهم فيها أظهر * (ليقولن) * ندامة على تثبطه وتهالكا على حطام الدنيا وحسرة على فواته، وفي تأكيد القول دلالة على فرط التحسر المفهوم من الكلام ولم يؤكد القول الأول، وأتى به ماضيا إما لأنه لتحققه غير محتاج إلى التأكيد أو لأن العدول عن المضارع للماضي تأكيد، وقرأ الحسن (ليقولن) بضم اللام مراعاة لمعنى (من) وذلك شائع سائغ.
وقوله تعالى: * (كأن لم تكن بينكم وبينه مودة) * من كلامه تعالى اعتراض بين القول ومقوله الذي هو. * (ي‍اليتني كنت معهم فافوز فوزا عظيما) * لئلا يتوهم من مطلع كلامه أن تمنيه المعية للنصرة والمظاهرة حسبما يقتضيه ما في البين من المودة بل هو للحرص على حطام الدنيا كما ينطق به آخره فإن الفوز العظيم الذي عناه هو ذلك، وليس إثبات المودة في البين بطريق التحقيق بل بطريق التهكم، وقيل: الجملة التشبيهية حال من ضمير يقولن، أي ليقولن مشبها بمن لا مودة بينكم وبينه حيث لم يتمن نصرتكم ومظاهرتكم، وقيل: هي من كلام المبطىء داخلة كجملة التمني في المقول أي ليقولن المبطىء لمن يثبطه من المنافقين وضعفة المؤمنين كأن لم تكن بينكم وبين محمد صلى الله عليه وسلم مودة حيث لم يستصحبكم معه في الغزو حتى تفوزوا بما فاز به المستصحبون يا ليتني كنت معهم الخ، وغرضه إلقاء العداوة
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»