تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٨٣
أصنام السوى * (وأطيعوا الرسول) * بالمجاهدة وإتعاب البدن بأداء رسوم العبادة التي شرعها لكم * (وأولي الأمر منكم) * وهم المشايخ المرشدون بامتثال أمرهم فيما يرونه صلاحا لكم وتهذيبا لأخلاقكم. وربما يقال: إنه سبحانه جعل الطاعة على ثلاث مراتب، وهي في الأصل ترجع إلى واحدة: فمن كان أهلا لبساط القربة وفهم خطاب الحق بلا واسطة كالقائل أخذتم علمكم ميتا عن ميت، ونحن أخدناه من الحي الذي لا يموت، فليطلع الله تعالى بمراده وليتمثل ما فهمه منه، ومن لم يبلغ هذه الدرجة فليرجع إلى بيان الواسطة العظمى وهو الرسول صلى الله عليه وسلم إن فهم بيانه، أو استطاع الأخذ منه كبعض أهل الله تعالى، وليطعه فيما أمر ونهى، ومن لم يبلغ إلى هذه الدرجة فليرجع إلى بيان أكابر علماء الأمة وليتقيد بمذهب من المذاهب وليقف عنده في الأوامر والنواهي * (فإن تنازعتم في شيء) * أنتم والمشايخ، وذلك في مبادي السلوك حيث النفس قوية * (فردوه إلى الله) * تعالى * (والرسول) * (النساء: 59) فارجعوا إلى الكتاب والسنة فإن فيهما ما يزيل النزاع عبارة أو إشارة، أو إذا وقع عليكم حكم من أحكام الغيب المتشابهة، وظهر في أسراركم معارضات الامتحان فارجعوا إلى خطاب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن فيه بحار علوم الحقائق، فكل خاطر لا يوافق خطاب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو مردود * (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك) * من علم التوحيد * (وما أنزل من قبلك) * من علم المبدأ والمعاد * (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) * وهو النفس الأمارة الحاكمة بما تؤدي إليه أفكارها الغير المستندة إلى الكتاب والسنة * (وقد أمروا أن يكفروا به) * ويخالفوه إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي * (ويريد الشيطان) * وهو الطاغوت * (أن يضلهم ضلالا بعيدا) * (النساء: 60) وهو الانحراف عن الحق * (فكيف إذا أصابتهم مصيبة) * وهي مصيبة التحير وفقد الطريق الموصل * (بما قدمت أيديهم) * من تقديم أفكارهم الفاسدة وعدم رجوعهم إليك * (ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا) * بأنفسنا لتمرنها على التفكر حتى يكون لها ملكة استنباط الأسرار والدقائق من عباراتك وإشاراتك * (وتوفيقا) * (النساء: 62) أي جمعا بين العقل والنقل أو بين الخصمين بما يقرب من عقولهم ولم نرد مخالفتك * (أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم) * من رين الشكوك فيجازيهم على ذلك يوم القيامة * (فأعرض عنهم) * ولا تقبل عذرهم * (وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) * (النساء: 63) مؤثرا ليرتدعوا أو كلمهم على مقادير عقولهم ومتحمل طاقتهم * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) * باشتغالهم بحظوظها * (جاءوك فاستغفروا الله) * طلبوا منه ستر صفات نفوسهم التي هي مصادر تلك الأفعال * (واستغفر لهم الرسول) * بإمداده إياهم بأنوار صفاته * (لوجدوا الله توابا رحيما) * (النساء: 64) مطهرا لنفوسهم مفيضا عليها الكمال اللائق بها. وقال ابن عطاء في هذه الآية: أي لو جعلوك الوسيلة لدي لوصلوا إلي * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) * (النساء: 65) قال بعضهم: أظهر الله تعالى في هذه الآية على حبيبه خلعة من خلع الربوبية فجعل الرضا بحكمه ساء أم ستر سببا لإيمان المؤمنين كما جعل الرضا بقضائه سببا لإيقان الموقنين فأسقط عنهم اسم الواسطة لأنه صلى الله عليه وسلم متصف بأوصاف الحق متخلق بأخلاقه، ألا ترى كيف قال حسان:
وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد وقال آخرون: سد سبحانه الطريق إلى نفسه على الكافة إلا بعد الإيمان بحبيبه صلى الله عليه وسلم فمن لم يمش تحت قبابه فليس من الله تعالى في شيء، ثم جعل جل شأنه من شرط الإيمان زوال المعارضة
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»