لأن رد المختلف فيه الغير المعلوم من النص إلى المنصوص عليه إنما يكون بالتمثيل والبناء عليه، وليس القياس شيئا وراء ذلك، وقد علم من قوله سبحانه: * (فإن تنازعتم) * أنه عند عدم النزاع يعمل بما اتفق عليه وهو الإجماع.
* (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * متعلق بالأمر الأخير الوارد في محل النزاع إذ هو المحتاج إلى التحذير عن المخالفة، وجواب الشرط محذوف عند جمهور البصريين ثقة بدلالة المذكور عليه، والكلام على حد - إن كنت ابني فأطعني - فإن الإيمان بالله تعالى يوجب امتثال أمره، وكذا الإيمان باليوم الآخر لما فيه من العقاب على المخالفة * (ذالك) * أي الرد المأمور به العظيم الشأن ولو حمل - كما قيل - على جميع ما سبق على التفريع لحسن. وقال الطبرسي: " إنه إشارة إلى ما تقدم من الأوامر أي طاعة الله تعالى وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر ورد المتنازع فيه إلى الله والرسول عليه الصلاة والسلام * (خير) * لكم وأصلح * (وأحسن) * أي أحمد في نفسه * (تأويلا) * أي عاقبة، قاله قتادة والسدي وابن زيد "، وأفعل التفضيل في الموضعين للإيذان بالكمال على خلاف الموضوع له، ووجه تقديم الأول على الثاني أن الأغلب تعلق أنظار الناس بما ينفعهم، وقيل: المراد: خير لكم في الدنيا وأحسن عاقبة في الآخرة "، ووجه التقديم عليه أظهر. " وعن الزجاج أن المراد: أحسن تأويلا من تأويلكم أنتم إياه من غير رد إلى أصل من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. فالتأويل إما بمعنى الرجوع إلى المآل والعاقبة، وإما بمعنى بيان المراد من اللفظ الغير الظاهر منه، وكلاهما حقيقة، وإن غلب الثاني في العرف ولذا يقابل التفسير..
* (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) *.
* (ألم تر) * خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعجيب له عليه الصلاة والسلام أي ألم تنظر أو ألم ينته علمك. * (إلى الذين يزعمون) * من الزعم وهو كما في " القاموس " " مثلث القول: الحق والباطل والكذب ضد، وأكثر ما يقال فيما يشك فيه " ومن هنا قيل: إنه قول بلا دليل، وقد كثر استعماله بمعنى القول الحق، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " زعم جبريل " وفي حديث ضمام بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه " زعم رسولك " وقد أكثر سيبويه في الكتاب من قوله: زعم الخليل كذا - في أشياء يرتضيها - وفي " شرح مسلم للنووي " أن زعم في كل هذا بمعنى القول، والمراد به هنا مجرد الادعاء أي يدعون. * (أنهم ءامنوا بما أنزل إليك) * أي القرآن. * (وما أنزل) * إلى موسى عليه السلام * (من قبلك) * وهو التوراة، ووصفوا بهذا الادعاء لتأكيد التعجيب وتشديد التوبيخ والاستقباح، وقرىء * (أنزل و * (أنزل) * بالبناء للفاعل.
* (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) * بيان لمحل التعجيب على قياس نظائره؛ أخرج الثعلبي وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما " أن رجلا من المنافقين يقال له بشر: خاصم يهوديا فدعاه اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف، ثم إنهما احتكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي فلم يرض المنافق وقال: تعال نتحاكم إلى عمر بن الخطاب، فقال اليهودي لعمر رضي الله تعالى عنه: قضى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه، فقال للمنافق أكذلك؟ قال: نعم، فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فدخل عمر فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب عنق المنافق حتى برد ثم قال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فنزلت "، وفي بعض الروايات " وقال جبريل عليه السلام إن عمر فرق بين الحق والباطل وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الفاروق رضي الله تعالى عنه "، والطاغوت على هذا كعب